رحلة إلى عمّان تكشف سحر الطبيعة وعمق الحضارة..

❖ عمان – الأردن: محمد علي المهندي

– عمان.. مدينة تتنفس التاريخ وتواكب روح الحداثة


– جبل القلعة.. بانوراما تجمع حضارات سبعة آلاف عام


– عجلون.. القلعة التي تروي حكاية صلاح الدين فوق الغيم


تستقبل المملكة الأردنية الهاشمية زوارها بدفءٍ يليق ببلدٍ عربيٍّ ضاربٍ في جذور التاريخ. منذ لحظة الوصول، يلمس المسافر التنظيم والانسيابية في المطار، وتبرز ملامح الضيافة الأردنية في الترحيب الصادق والابتسامة الحاضرة. العاصمة عمان كانت المحطة الأولى في الرحلة، حيث تتجلى ملامح التوازن بين الماضي العريق والحاضر المتجدد.


في إطار جولة إعلامية لتعزيز التعاون والتواصل الثقافي والسياحي بين قطر والأردن، كانت جريدة الشرق جزءًا من هذه الرحلة الميدانية المميزة التي شملت عددًا من أبرز الوجهات الأردنية، بهدف الاطلاع على مقومات السياحة في المملكة، والتعرف على طبيعتها الفريدة ومواقعها التاريخية التي تمثل إرثًا إنسانيًا عالميًا. جاءت الرحلة بدعوة رسمية من الجهات المعنية بالسياحة الأردنية، لتسليط الضوء على ثراء التجربة السياحية في بلد يجمع بين عبق التاريخ وجمال الطبيعة وكرم الضيافة.


  – عمان.. مدينة تتنفس التاريخ وتواكب الحداثة


العاصمة الأردنية، التي حملت عبر القرون أسماء مثل فيلادلفيا وربة عمّون، تقوم على سبعة تلال شكلت مسرحًا لتاريخٍ طويل من الحضارات المتعاقبة. في قلبها، يطل جبل القلعة بأعمدته وآثاره الممتدة من العهد الروماني إلى الأموي، ويضم القصر الأموي ومعبد هرقل والمسجد القديم والمتحف الأثري الذي يختزن شواهد نادرة من تاريخ المنطقة. ومن أعلى القلعة، تتبدّى عمان الحديثة بخطوطها العمرانية المتناسقة وأحيائها المتدرجة على سفوح الجبال.


أسفل القلعة، يمتد المدرج الروماني شامخًا كأحد أهم المعالم الأثرية في المدينة، فيما تزدهر الحياة اليومية في سوق وسط البلد حيث تصطف محلات الذهب والفضة والتوابل والحرف اليدوية في مشهد يحافظ على روح المكان وذاكرته. أما الشوارع الحديثة مثل الرينبو وعبدون، فتعبّر عن وجه العاصمة العصري المفعم بالمطاعم والمقاهي والمحال التجارية التي تجذب الزوار بتنوعها وأناقتها.


وتكتمل الصورة بمزيج الضيافة الأردنية في الفنادق والمطاعم التقليدية، حيث يقدم المطبخ الأردني نكهاته الأصيلة وعلى رأسها “المنسف” الذي يختزل هوية المكان وموروثه الاجتماعي.



   – جرش.. مدينة الأعمدة والدهشة


في الطريق شمالًا، تأخذ جرش الزائر إلى زمنٍ آخر. مدينة رومانية الطابع ببواباتها الشاهقة وأعمدتها التي تصطف على جانبي الطريق في انسجام هندسي مذهل. عند المدخل، ترفرف الأعلام الوطنية فوق الساحة الكبرى، فيما يمتد شارع الأعمدة بطول يقارب ثمانمائة متر، تصطف على جانبيه آثارٌ تحكي عن حقبةٍ من الازدهار والعمران.


يبرز المسرح الجنوبي كموقعٍ ثقافي وسياحي شهير، إذ يحتضن سنويًا فعاليات مهرجان جرش للثقافة والفنون الذي يجمع الأصالة بالموسيقى والفن، بينما يقف المسرح الشمالي كشاهدٍ آخر على الإبداع المعماري القديم. وتُظهر بوابات المدينة وميدان سباق الخيل والإسطبلات تفاصيل دقيقة من فنون البناء والنقش التي ميّزت العصور الكلاسيكية.


جرش ليست مدينة أثرية فحسب؛ فهي منطقة زراعية خصبة، تكسوها بساتين الزيتون التي تمتد أعمار بعضها إلى مئات السنين، وتنتج أحد أجود أنواع الزيت في المنطقة. كما تنتشر فيها معاصر تقليدية وحديثة، وتضفي طبيعتها الجبلية ومناخها المعتدل طابعًا فريدًا على المشهد السياحي. وتُعد مرتفعات ثغرة عصفور من أجمل مناطقها، حيث يزداد الإقبال عليها صيفًا لبرودة طقسها ونقاء هوائها.


في إحدى ضواحيها، يقدم مطعم دار نعمة تجربة مميزة بطابعه الريفي البسيط، إذ تُعد الوجبات فيه على الطريقة المنزلية ضمن مبادرة خيرية تشرف عليها سيدات أردنيات، في أجواء عائلية تحاكي دفء الريف.



  – عجلون.. القلعة التي ترصد الغيم


إلى الشمال الغربي من العاصمة، تتبدّى عجلون بجبالها المكسوة بالخضرة، ووديانها التي تتدرج نحو الأغوار. تتوسط المحافظة سلسلة جبلية تطل على البحر الميت وبحيرة طبريا، ما يمنحها موقعًا استراتيجيًا فريدًا.


في أعلى قمة جبل عوف، تنتصب قلعة عجلون بصلابتها التاريخية. أُنشئت عام 580 هـ (1184 م) بأمر من القائد صلاح الدين الأيوبي لتأمين طرق المواصلات ومراقبة تحركات الصليبيين، ويُشرف موقعها على وديان كفرنجة وراجب والريان. تصميمها الدفاعي المكوّن من أربعة أبراج مربعة، ونوافذها الضيقة المخصصة للرماة، يعكسان دقة الهندسة العسكرية الإسلامية في ذلك العصر.


ورغم الزلازل التي تعرّضت لها القلعة في القرنين التاسع عشر والعشرين، ما زالت صامدة بعد ترميمها من قبل وزارة السياحة والآثار الأردنية. ومن موقعها المرتفع، يمتد المشهد حتى غور الأردن، فيما يُتيح تلفريك عجلون، الذي افتتح عام 2023، تجربة مشاهدة بانورامية فريدة تجمع بين التاريخ والطبيعة.


  – البحر الميت.. سكونٌ يمنح الحياة


في أخفض نقطة على سطح الأرض، وعلى عمق يقارب 400 متر تحت مستوى سطح البحر، يمتد البحر الميت كواحة من الغرابة والجمال. مياهه المالحة تمنح الزائر تجربة استثنائية، إذ يطفو الجسم على سطحها بسهولة بفعل تركيز الأملاح المرتفع، فيما يحتوي طينه الأسود على معادن طبيعية تُستخدم في العلاج والتجميل.


تنتشر على شواطئه الفنادق والمنتجعات الفاخرة التي تقدم جلسات علاجية تعتمد على طين البحر الميت وأملاحه، في تجربة تجمع بين الاسترخاء والعناية الصحية. كما تشكل ينابيع ماعين الحارة وجهة أخرى لعشاق العلاج الطبيعي، وتُعد الملاحات المحيطة بالمنطقة مصدرًا رئيسيًا للأملاح والمعادن التي تُستخدم في صناعة منتجات البحر الميت الشهيرة عالميًا.


الهدوء الذي يلف المكان يمنح الزائر إحساسًا بالسكينة المطلقة، حيث تتماهى الزرقة مع الأفق، وتتحول التجربة إلى تواصلٍ عميق مع الطبيعة.


   – البترا.. مدينة وردية تحرسها الجبال


جنوب البلاد، تتربع البترا على قائمة المواقع الأثرية الأكثر شهرة في العالم. المدينة التي نحتها الأنباط العرب في الصخور الوردية منذ أكثر من ألفي عام ما زالت تحتفظ بسحرها الفريد، وتُعد إحدى عجائب الدنيا السبع.


عند الدخول عبر الممر الضيق المعروف باسم “السيق”، تتكشف تدريجيًا واجهات البترا المهيبة، وعلى رأسها الخزنة التي تُعد رمز المدينة وأحد أروع الشواهد على براعة الأنباط في العمارة والنحت. الصخور الوردية تعكس ألوان الغروب، والمدينة بأكملها تبدو كأنها معلقة بين الزمنين، الماضي والحاضر.


   – ملامح بلدٍ يروي التاريخ ويصنع الجمال


تجسد التجربة السياحية في الأردن لوحةً متكاملة تجمع بين التراث الإنساني والتنوع الجغرافي. في عمان يلتقي التاريخ بالمدنية، وفي جرش تتجسد حضارة الرومان، وفي عجلون يقف التاريخ الإسلامي شامخًا بين الجبال، بينما يحتضن البحر الميت سكون الطبيعة، وتبقى البترا تاج العراقة والدهشة. الأردن ليس مجرد محطة على خريطة السفر، بل هو حكاية وطنٍ عربيٍّ يحتضن الحضارات ويمنح زائره مزيجًا من الأصالة والسكينة والجمال الذي لا يغيب.

شاركها.
Exit mobile version