لم تكن القارة القطبية الجنوبية قبل عشرات ملايين السنين بيضاء تكسوها طبقات سميكة من الجليد كما نعرفها اليوم، بل خضراء تكسوها الغابات والأراضي العشبية التي وفرت موائل طبيعية لمجموعة واسعة من النظم البيئية.
كشف فريق من الباحثين عن أدلة جديدة تشير إلى أن القارة القطبية الجنوبية شهدت خلال العصر الطباشيري حرائق غابات متكررة، دمرت الغطاء النباتي وشكلت بيئاتها الأرضية أكثر مما كان يعتقد سابقا.
وأظهرت نتائج الدراسة أن هذه الظاهرة الطبيعية ترجع إلى النشاط البركاني الكبير الذي شهدته القارة خلال عصر الديناصورات قبل 75 مليون عام.
ونشرت الدراسة -التي أجراها باحثون من تشيلي والبرازيل- أخيرا في دورية “فرونتيرز إن إيرث ساينس” (Frontiers in Earth Science).
خضراء ثم كساها الجليد
تُعرف القارة القطبية الجنوبية اليوم بأنها قارة جليدية شاسعة تقع في نصف الكرة الجنوبي من كوكبنا، تظل درجات الحرارة فيها منخفضة على مدار العام، مع زيادة طفيفة في كل موسم صيفي يمتد من أكتوبر/تشرين الأول إلى مارس/آذار من كل عام.
وعلى الرغم من حجمها الكبير الذي يمثل حوالي 10% من مساحة جميع القارات اليوم، فإن موقعها الجغرافي شهد تغيرات كبيرة على مدى العصور الجيولوجية السابقة نتيجة النشاط التكتوني المستمر لصفائح الأرض، وفق تقرير نشر على موقع “فيز دوت أورغ” (Phys.org).
وأظهرت أدلة الحفريات السابقة أن القارة القطبية الجنوبية لم تكن قبل عشرات ملايين السنين بيضاء تكسوها طبقات سميكة من الجليد كما نعرفها اليوم، بل خضراء تكسوها الغابات والأراضي العشبية التي وفرت موائل طبيعية لمجموعة واسعة من النظم البيئية، بدءا من الديناصورات إلى الثدييات الأصغر في ذلك الوقت.
وعثر الباحثون على أدلة كثيرة لوقوع حرائق كبيرة في فترات مختلفة وفي أجزاء واسعة من القارة، لكن أسباب اندلاع هذه الحرائق ظلت محل جدل بين العلماء.
حرائق متكررة بسبب البراكين
في هذه الدراسة الجديدة، عثر باحثون من معهد أنتاركتيكا تشيلي (INACH) والبرنامج البرازيلي للقارة القطبية الجنوبية (Proantar)، على أدلة إضافية على هذه الظاهرة في الحفريات النباتية المتحجرة في جزيرة الملك جورج، الواقعة شمال غربي القارة القطبية الجنوبية.
وتؤكد هذه الأدلة، وفق تقرير نشر على موقع “بولار جورنال” (Polar Journal) العلمي، أن الجزيرة كانت مغطاة بغابة مطيرة من الصنوبريات والسراخس والنباتات المزهرة، وأن الحرائق كانت متكررة في العصر الطباشيري المتأخر الممتد على الفترة من 100 مليون إلى 66 مليون عام في الماضي.
وأكد الباحثون في هذه الدراسة أن النشاط البركاني الشديد الذي عرفته القارة القطبية الجنوبية خلال العصر الطباشيري وساهم في تشكيل جزء كبير من طبقات الصخور فيها، كان القوة الدافعة وراء حرائق الغابات القديمة في القارة.
غير أنه، وعلى عكس ما يمكن أن تذهب إليه التوقعات، لم يحترق الغطاء النباتي بسبب تدفقات الحمم البركانية المنصهرة من البراكين النشطة، بل حدث ذلك بسبب تعرض الغطاء النباتي لسحب الرماد وغيوم الحمم البركانية التي انبعثت من الجبال البركانية، والتي حُفظت في السجلات الجيولوجية من خلال رواسب الرماد البركاني الدقيقة جدًا، مثل الطفة (tuff)، وهي نوع من الصخور المسامية والناعمة التي تشكلت من ترسب الرماد البركاني.
وبحسب الباحثين، فإن هذه الحرائق التي كانت تلتهم الغطاء النباتي للقارة القطبية الجنوبية قبل ملايين السنين، كان لها دور كبير في التطور والتنوع البيولوجي للنبات والزهور في هذه المناطق من العالم.