رجّحت دراسة علمية جديدة قام بها فريق دولي أن المناطق الداخلية من جنوب أفريقيا شهدت استيطانا مبكرًا للبشر الأوائل.

وكان العلماء نجحوا في توثيق الاستيطان البشري المبكر للأجزاء الساحلية من جنوب أفريقيا بالاعتماد على السجل الأثري، إلا أنهم لم يعثروا على ما يكفي من الأدلة على استقرار البشر في المناطق الداخلية من جنوب القارة السمراء.

الباحثون أشاروا في الدراسة، التي نشرت في دورية “بروسيدنجز أوف ذا ناشونال أكاديمي أوف ساينس” “بي إن إيه إس” (PNAS) يوم 15 مايو/أيار الجاري، إلى أن الحفريات القديمة الكبيرة والشبكات الهيدرولوجية الواسعة كانت موجودة وسط جنوب أفريقيا خلال الفترة الجليدية الأخيرة، خاصة في الفترة بين 55 و39 ألف سنة مضت، وتحديدا في الفترة بين 34 و31 ألف سنة.

الدراسة قدّمت مخططا زمنيا أكثر شمولا لأعمار ومراحل البحيرات والكهوف بصحاري جنوب أفريقيا (بريان تشيس-يوريك ألرت)

مناخ معتدل وتربة خصبة

وخلال العصر الجليدي الذي استمر في الفترة ما بين 195 ألف عام إلى 123 ألف سنة مضت، مثلت الكهوف المنتشرة في جنوب أفريقيا ملجأ لمجموعة من البشر، يعتقد بعض الباحثين أنهم الوحيدون الذين نجوا من هذا العصر الجليدي. لذلك، أجرى الباحثون الكثير من الدراسات على هذه الكهوف خاصة في المنطقة الساحلية.

وفي الدراسة الجديدة، أظهر المؤلفون أن المنطقة ربما كانت أكثر خصوبة واعتدالا من حيث المناخ خلال هاتين الفترتين الجليديتين مما كان يعتقد سابقا، مرجحين أن تكون استضافت مجموعات بشرية.

المؤلف الرئيسي للدراسة بريان ستيوارت -أستاذ الأنثروبولوجيا والآثار المساعد في جامعة ميشيغان الأميركية المشاركة في هذا العمل- قال إن البحث قدم مخططا زمنيا أكثر شمولا لأعمار ومراحل البحيرات والكهوف في صحاري جنوب أفريقيا، وأظهر بصمات الإنسان في جميع أنحاء المنطقة.

وأوضح ستيوارت للجزيرة نت أن “هناك افتراضا دائما بأن مراكز التجمعات البشرية كانت دائما على طول الساحل، وأن المناطق الداخلية وخاصة الجزء الداخلي الجنوبي من صحراء كارو -بين ناميبيا وجنوب أفريقيا- خلت إلى حد كبير من السكان لفترات طويلة من الزمن. الشيء المضحك هو أن على المرء فقط أن يذهب إلى الداخل، ويتجول ويلاحظ وجود الآثار التي تدل على الوجود التاريخي للإنسان في كل مكان”.

View across a now-dry lakebed near Swartkolkvloer. During the last glacial period this and adjacent basin supported what are believed to have been perennial lakes, some up to 60 feet in depth. CREDIT Brian Chase USAGE RESTRICTIONS Use only with credit. LICENSE Original content
بعد مسح شامل استدل الفريق على وجود منخفضات صحراوية تمثل قيعان بحيرات قديمة (بريان تشيس-يوريك ألرت)

الأحواض الصحراوية

بعد مسح شامل للمنطقة، استدل فريق الباحثين على وجود بعض المنخفضات الصحراوية أو “الأحواض” التي تمثل قيعان بحيرات قديمة -مثل المنخفضات الصحراوية في صحراء مصر الغربية التي تشبه الواحات البحرية، في حين أن المناطق المرتفعة التي تحيط بها هي صخور رسوبية متبقية من شواطئها القديمة.

ويشير هذا إلى أن هذه الفترات الزمنية لم تكن جافة في هذه المنطقة كما كان يعتقد سابقا، بل كان من المؤكد أن هطول الأمطار والرطوبة المستمرين ساعد في إبقاء هذه البحيرات ممتلئة. كما أن المناخ الأكثر اعتدالا -المطلوب للحفاظ على مائية البحيرات- يعني أيضا أن المناظر الطبيعية كانت قادرة على الحفاظ على نظام بيئي حيوي يضم كلا من النباتات والحيوانات اللازمة لدعم السكان المحليين.

وتشير النتائج إلى أن المناطق الداخلية في جنوب أفريقيا كان من الممكن أن تدعم بشكل كبير المجتمعات البشرية المتأخرة في العصر البليستوسيني، وفقا للبيان الصحفي المنشور على موقع الجامعة.

وقد استخدم الباحثون مجموعة متنوعة من التقنيات لإعادة بناء هذه البحيرات القديمة والشواطئ ورواسب قاع البحيرات، ولإعادة إنشاء المناظر الطبيعية في المنطقة. يتضمن ذلك التأريخ بالكربون المشع وتقنية تسمى اللمعان لقياس النشاط الإشعاعي لبلورات دقيقة من الكوارتز أو الفلسبار التي لم تر ضوء النهار منذ أن غطتها الرواسب قبل عشرات الآلاف من السنين.

وأضاف المؤلف الرئيسي للدراسة أنه في أجزاء مختلفة من المناطق الداخلية منذ حوالي 60 إلى نحو 12 ألف عام، يمكننا أن نرى أن هناك مراحل دائمة من المسطحات المائية الكبيرة جدا التي تدور حول ما كان يعتقد أنه بيئة قاحلة وغير مضيافة.

شاركها.
Exit mobile version