توصلت دراسة حديثة إلى أن الأسبرين يعزز الاستجابة المناعية ضد نقائل السرطان، أي انتشار خلايا السرطان من مكان الورم الأصلي إلى أماكن أخرى في الجسم.
وأجرى الدراسة علماء من جامعة كامبريدج بالمملكة المتحدة، ونشرت في مجلة “نيتشر” (Nature).
والأسبرين هو مسكن ألم رخيص ومتوفر على نطاق واسع.
ووجدت الدراسة أن الأسبرين لدى الفئران يؤثر على الصفائح الدموية -وهي الخلايا الصغيرة التي تسبب تخثر الدم- مما يجعلها تنتج كمية أقل من عامل التخثر ثرومبوكسان “تي إكس إيه 2” (TXA2)، الذي يثبط الخلايا التائية المناعية. ومع انخفاض تثبيط “تي إكس إيه 2″، يمكن لهذه الخلايا التائية تدمير أي خلايا سرطانية منتشرة.
وقال نيلش فورا، أخصائي أمراض الدم والأورام والمدير الطبي لمعهد تود للسرطان في مركز لونغ بيتش الطبي في لونغ بيتش بكاليفورنيا والذي لم يشارك في الدراسة، لموقع ميديكال نيوز توداي “تقدم هذه الدراسة فرضية صحيحة حول كيفية منع عودة السرطان وانتشاره بتدخل سهل الاستخدام للمرضى. والجزء الرئيسي من هذه المقالة هو أن الأسبرين يمنع انتشار السرطان عن طريق خفض مستويات “تي إكس إيه 2″ وإطلاق الخلايا التائية من حالة التثبيط”.
وشهد علاج السرطان في مراحله المبكرة تطورات هائلة، ولكن لا يزال هناك خطر من عودة السرطان في أماكن أخرى من الجسم إذا انتقلت الخلايا السرطانية من موقع الورم الأصلي.
داخل البيئة الدقيقة للورم الأصلي، يكون الجهاز المناعي مكبوتا، وبالتالي تقل قدرته على قتل الخلايا السرطانية. ومع ذلك بمجرد هجرة هذه الخلايا السرطانية المنفردة، يمكن للجهاز المناعي استهدافها.
وقال الباحث الرئيسي في الدراسة وأستاذ علم مناعة السرطان في جامعة كامبريدج الدكتور راهول رويشودري “عندما ينتشر السرطان لأول مرة، تتاح فرصة علاجية فريدة عندما تكون خلايا السرطان عرضة بشكل خاص للهجوم المناعي. نأمل أن يكون للعلاجات التي تستهدف هذه الفرصة من الضعف مجال واسع في منع تكرار المرض لدى مرضى السرطان في مراحله المبكرة المعرضين لخطر تكراره”.
وسبق أن اكتشف الباحثون 15 جينا في الفئران لها تأثير على نقائل السرطان. ووجدوا أن الفئران التي تفتقر إلى جين ينتج بروتينا يسمى “إيه آر إتش جي إي إف1” (ARHGEF1)، كانت تعاني من نقائل أقل لبعض أنواع السرطان الأولية في الرئتين والكبد. ومن هنا، استنتجوا أن “إيه آر إتش جي إي إف1” يثبط الخلايا التائية التي تقتل الخلايا النقيلية.
تفعيل الجين
ثم اكتشفوا أن هذا الجين يفّعل عندما تتعرض الخلايا لعامل التخثر “تي إكس إيه 2”.
يثبط الأسبرين إنتاج “تي إكس إيه 2” بواسطة الصفائح الدموية، ولهذا السبب يتناوله الناس أحيانا بجرعات منخفضة لتقليل خطر الإصابة بجلطات الدم والنوبات القلبية والسكتات الدماغية.
في الدراسة الحالية، التي أجريت على نموذج فأري لسرطان الجلد الميلانيني، وهو شكل عدواني من سرطان الجلد، وجد الباحثون أن الفئران التي تلقت الأسبرين أصيبت بنقائل أقل من الفئران التي لم تتلق الأسبرين. حرر الأسبرين خلاياها التائية من تثبيط “تي إكس إيه 2″، مما مكنها من قتل الخلايا السرطانية.
قال الباحث جي يانغ، أحد المشاركين في الدراسة من جامعة كامبريدج، في بيان صحفي “لقد كانت لحظة اكتشاف مذهلة عندما اكتشفنا أن “تي إكس إيه 2″ هو الإشارة الجزيئية التي تفعل هذا التأثير الكابت على الخلايا التائية”.
أشار يانغ إلى أنه “قبل ذلك، لم نكن على دراية بتأثير نتائجنا في فهم النشاط المضاد للنقائل للأسبرين. لقد كانت نتيجة غير متوقعة تماما، مما دفعنا إلى مسار بحث مختلف تماما عما توقعناه”.
هل تنطبق نتائج الأسبرين والسرطان على البشر؟
أكد يانغ على إمكانات نتائج فريق البحث، مشيرا إلى أن “الأسبرين أو غيره من الأدوية التي قد تستهدف هذا المسار، لديها القدرة على أن تكون أقل تكلفة من العلاجات القائمة على الأجسام المضادة، وبالتالي أكثر سهولة في الحصول عليها عالميا”.
ومع ذلك، يحذر الباحثون من أن الأسبرين قد يسبب آثارا جانبية، وقد لا يكون مناسبا للجميع. عادة، يمكن أن يسبب الأسبرين تهيجا في المعدة أو الأمعاء، وغثيانا وعسر هضم.
تشمل الآثار الجانبية الأخرى الأقل شيوعا تفاقم أعراض الربو والقيء والتهاب المعدة أو النزيف والكدمات. وفي حالات نادرة، وخاصة لدى من يتناولون جرعة يومية، قد يسبب نزيفا في الدماغ أو فشلا كلويا أو سكتة دماغية نزفية.
من جهته صرح عالم أحياء السرطان في جامعة ريدينغ الدكتور هارفي رويث “لا أعتقد أنه يمكننا القول إن مرضى السرطان يجب أن يتناولوا الأسبرين، على الأقل ليس في الوقت الحالي”.
الأسبرين دواء متوفر بسهولة، وله آثار جانبية قليلة نسبيا. تشير هذه الدراسة التي أجريت على الفئران إلى ضرورة إجراء تقييم أعمق لدور الأسبرين في سرطان النقيلي لدى البشر.
يذكر أن الدراسات السريرية السابقة التي اختبرت الأسبرين أداة في مكافحة نقائل السرطان لدى المرضى البشر كانت متضاربة وغير حاسمة في كثير من الأحيان، حتى إن هناك بعض التقارير التي خلصت إلى أن الأسبرين قد يسبب ضررا أكثر من نفعه.
لا تجسد نماذج الفئران التعقيد الكامل للمرض النقيلي. بالإضافة إلى ذلك، في هذه الدراسة، تركز نماذج الفئران المستخدمة بشكل رئيسي على خلايا الورم الميلانيني التي تنتشر إلى الرئتين. لذا، لا تراعي الدراسة أنواع السرطان المختلفة وتنتشر إلى أعضاء أخرى.
الاستجابات المناعية
وأضاف رويث “بصفتي عالم أحياء متخصصا في السرطان، فإن النتيجة الأكثر إثارة للاهتمام بالنسبة لي هي أن الأسبرين يمكن أن يحافظ على الاستجابات المناعية للخلايا التائية في نموذج حيواني”.
وقال “ما نحتاجه الآن هو تجارب عشوائية محكمة جديدة تركز على إيجاد المؤشرات الحيوية للاستجابة المناعية للمريض. بهذه الطريقة سنكتشف أنواع السرطان والمرضى الأكثر احتمالا للاستفادة من الأسبرين”.
وأوضح رويث “من المهم أيضا مراعاة أن الأسبرين قد يكون غير آمن لبعض المرضى. يمكن أن يسبب تمزق بطانة المعدة ويزيد من خطر النزيف في الأمعاء. لا تراعي الدراسة هذه الآثار الجانبية”.
وقال البروفيسور مانجيش ثورات، استشاري جراحة الثدي بمستشفى جامعة هومرتون بلندن، في تصريح لموقع ساينس ميديا سنتر “نعلم منذ فترة أن التأثير الإيجابي للأسبرين في الوقاية من الوفيات الناجمة عن بعض أنواع السرطان أكبر بكثير من تأثيره في منع تطور هذه السرطانات”.
وأضاف أنه “لا يمكن أن يحدث هذا إلا إذا منع الأسبرين أو ألغى نقائل هذه السرطانات. على الرغم من الاعتقاد بأن دور الأسبرين المضاد للصفائح الدموية هو ما يحدث، إلا أن الآلية الدقيقة ظلت بعيدة المنال. تلقي هذه الدراسة المميزة على الفئران الضوء على كيفية عكس تأثير الأسبرين المضاد للصفائح الدموية لتثبيط بعض الخلايا المناعية، مما يمنع بدوره تطور النقائل”.
إذا كنت مريضا بالسرطان، فلا تتسرع في شراء الأسبرين من الصيدلية المحلية الآن، بل استشر طبيبك حول ما إذا كان الأسبرين قد يفيدك.