تشهد مياه مضيق باب المندب، بوابة شبه جزيرة العرب إلى المحيط الهندي والقناة الملاحي الحيوية لقارة أفريقيا، توترات أمنية متصاعدة تهدد سلاسل الإمداد العالمية وتلقي بظلال قاتمة على حركة التجارة عبر قناة السويس. على الرغم من تعقيدات الأوضاع السياسية في المنطقة، فإن من الضروري تحليل التأثيرات الاقتصادية المباشرة لهذه الاضطرابات دون الانحياز لأي طرف ودراسة تداعياتها المحتملة على حركة السلع والبضائع.
تأثيرات على سلاسل الإمداد العالمية:
يشكل مضيق باب المندب نقطة عبور استراتيجية لحوالي 12% من إجمالي تجارة العالم و30% من حركة حاويات الشحن العالمية. تمر عبره سلع أساسية ومواد أولية مهمة، من النفط والغاز الطبيعي إلى الحبوب والمعادن، متجهة إلى مختلف الأسواق العالمية. أي تعطيل في تدفق السفن عبر هذا الممر الحيوي سيؤدي إلى عواقب اقتصادية جسيمة.
- زيادة تكاليف الشحن: تتجنب شركات الشحن بشكل متزايد المرور عبر المضيق خشيةً من الهجمات، وتضطر إلى اتخاذ مسارات أطول حول رأس الرجاء الصالح. هذه المسافات الإضافية تعني وقتًا أطول للرحلات وارتفاعًا في تكاليف الوقود والصيانة، مما يرفع بدوره أسعار السلع النهائية للمستهلكين على المستوى العالمي.
- تأخير في تسليم البضائع: يترتب على الاضطرابات الأمنية تأخيرات في وصول البضائع إلى وجهاتها المقصودة. يؤدي ذلك إلى اضطراب سلاسل الإمداد، وتعطل الإنتاج في المصانع التي تعتمد على المواد الخام المستوردة، ونقصًا في توافر بعض السلع في الأسواق، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعارها وتقلبات غير محمودة في الأسواق العالمية.
- زيادة انعدام اليقين الاقتصادي: تخلق حالة عدم الاستقرار في باب المندب أجواءً من القلق وعدم اليقين الاقتصادي. تتردد شركات النقل البحري في الاستثمار في خطوط الشحن التي تمر عبر المضيق، وتنخفض استثمارات الشركات في قطاعات مرتبطة بسلاسل الإمداد في المنطقة، مما يعيق النمو الاقتصادي ويؤثر على فرص العمل.
قناة السويس: تأثيرات مباشرة وغير مباشرة:
تُعد قناة السويس، الشريان الملاحي الذي يربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط، أحد أكثر الممرات المائية أهمية في العالم. يمثل أي انخفاض في حجم البضائع التي تمر عبرها خسارة اقتصادية كبيرة لمصر، تعتمد بشكل كبير على إيرادات القناة لتمويل مشاريع البنية التحتية وبرامج التنمية الاجتماعية.
- انخفاض إيرادات القناة: قد يؤدي تجنب شركات الشحن للمرور عبر القناة بسبب مخاوف أمنية في باب المندب، إلى انخفاض حجم الشحن عبرها وبالتالي تقليل إيرادات القناة. قد يؤثر ذلك على قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها المالية وترجمة المشاريع الاقتصادية الضرورية للنمو والتطور.
- تعطل حركة التجارة بين آسيا وأوروبا: تعد قناة السويس أقصر طريق بحري بين العديد من دول آسيا وأوروبا، إذ توفر بديلاً أسرع وأقل تكلفة من طريق رأس الرجاء الصالح. مع ازدياد مخاطر المرور عبر المضيق، قد تعزف بعض شركات الشحن عن استخدام القناة، وستكون الخسارة هنا مشتركة بين دول آسيا وأوروبا التي تعتمد على التجارة المتبادلة.
- تأثير على قطاعات اقتصادية أخرى: ترتبط صناعة النقل البحري ارتباطًا وثيقًا بصناعات أخرى في مصر، مثل السياحة والخدمات اللوجستية. أي انخفاض في حركة الشحن عبر القناة قد يؤثر على الطلب على خدمات هذه القطاعات، مما قد يؤدي إلى تراجع إيراداتها وخفض فرص العمل المتاحة فيها.
ضرورة التهدئة وحلول جماعية:
إن استقرار مضيق باب المندب واستعادة الأمن فيه مطلبٌ اقتصادي عالمي عاجل. يتطلب ذلك تعاونًا من كل الاطراف لحل الأزمه بدون توقيع مزيد من الضرر على اقتصاد يؤثر بالنهاية على حياة الافراد والمجتمعات.