لا يعرف أحد عددهم تحديداً، فلا توجد إحصاءات رسمية توضح حجم المواطنين السودانيين الذين فروا إلى مصر منذ اندلاع المعارك في ربيع عام 2023، ولم تظهر الحكومة في مصر أي بيانات بأعدادهم، ولكن يقدرهم بعض المراقبين ارتجالاً بين 700 ألف و7 ملايين شخص، لكن بحسب بيانات المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة «يبلغ عدد اللاجئين المسجلين في مصر 664 ألف شخص، ويشكّل السودانيون 367 ألفاً منهم، 58 ألف منهم مسجلون قبل اندلاع الحرب»، ما يعني أن عدد طالبي اللجوء أو من دخلوا مصر بشكل رسمي منذ بداية الاقتتال في السودان يبلغ نحو 310 آلاف شخص.
ورصدت «CNN الاقتصادية» بمناسبة اليوم العالمي للاجئين محاولات بعض السودانيين في مصر لبداية حياة جديدة.
ولكن على الرغم من غياب إحصاءات دقيقة، فإن السودانيين يظهرون للعيان في أغلب أحياء القاهرة والمدن المصرية الكبرى، كما انتشرت المتاجر المتخصصة في بيع المنتجات المحلية الخاصة بهم في أغلب المدن والأحياء المصرية، ففي حي مدينة نصر الذي يقع في الشمال من وسط القاهرة يوجد محل صغير يبيع الجلباب السوداني والمستلزمات المحلية الأخرى ويعتلي المدخل لافتة بألوان علم الدولة وكتب عليه «فوق السودان»، ربما للكناية عن مصر التي تقع أعلى السودان على الخريطة، أو إلى الشمال منها.
البحث عن فرصة في مصر
محمد بدري الذي يبلغ 30 عاماً وصل إلى مصر في نوفمبر الماضي عن طريق إريتريا، وهي من ضمن الدول القليلة التي تسمح للسودانيين بدخول أراضيها دون الحصول على تأشيرة مسبقة.
قام بدري بافتتاح مصنع صغير لتعبئة زيت الطعام في «عبوة اقتصادية تكفي لتحضير وجبتين، وهي موجّهة بالأساس إلى الطبقات ذات الدخول المحدودة»، وقال البدري في لقاء مع «CNN الاقتصادية» في المصنع الذي يقع في المنطقة الصناعية في مدينة السادس من أكتوبر «عندما أدركنا أن الحرب ستطول كان من الضروري البحث عن إنشاء نشاط اقتصادي يدر لنا الأموال».
تكلف إنشاء المشروع 7 ملايين جنيه مصري، أي نحو مئة وخمسين ألف دولار، ويضم 5 شركاء على رأسهم «شريك مصري بنسبة تصل إلى 50 في المئة من قيمة المشروع»، وأضاف بدري أن دخول شريك مصري كان ضرورة «لتسريع إجراءات تأسيس الشركة».
في عام 2004 قام رئيسا مصر والسودان آنذاك، حسني مبارك وعمر البشير، بإعلان مبادئ ما أطلق عليه في الجريدة الرسمية المصرية «الحقوق الأربعة لمواطني البلدين»، وهي تتيح حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك للأفراد بين البلدين دون قيود أو تأشيرات، وصادق على هذه الاتفاقية برلمانا البلدين ولكنها لا تزال غير مطبقة على أرض الواقع؛ فالمواطنون السودانيون يحتاجون إلى تأشيرات دخول إلى مصر أو موافقة أمنية تضمن لهم الحصول على التأشيرة عند الوصول، فضلاً عن صعوبة إنشاء شركات دون شريك مصري.
يدفع بدري وشركاؤه 40 ألف جنيه في الشهر إيجاراً للمصنع الذي تبلغ مساحته نحو 600 متر مربع وينتج ما يقرب من 3000 عبوة زيت في اليوم الواحد، ويبيع المصنع إنتاجه في صعيد مصر وخاصة المحافظات المصرية ذات الدخل المحدود، فالعبوة الصغيرة التي تكفي تحضير وجبتين وجدت نجاحاً لدى أصحاب الأجور اليومية.
أزمات الاقتصاد المصري عقبة في طريق اندماج اللاجئين السودانيين
بحسب بيانات البنك الدولي وصلت نسبة الفقر في مصر إلى 32.5 في المئة عام 2022، أي قبل عامي الأزمات الاقتصادية وارتفاع التضخم وأسعار الغذاء وتوحش أزمة سعر الصرف التي استمرت نحو عامين، وقبل ارتفاع سعر الخبز المدعوم في مصر الذي قفز إلى 20 قرشاً بدلاً من 5 قروش.
وعلى ما يبدو فإن أزمات الاقتصاد المصري التي مست جيوب المواطنين بحدة تدفع عدداً غير قليل منهم إلى إبداء استيائهم بسبب وجود عدد كبير من النازحين بينهم، فهم يرون أنهم يزاحمونهم في الرزق وفي المنتجات التي تدعمها الدولة في مصر للطبقات الأكثر حرماناً.
كان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أعلن أن عدد الأجانب المقيمين في مصر يقترب من 9 ملايين نسمة، وأوضح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في إحدى المناسبات أن الأجانب المقيمين في مصر يكلفون الدولة نحو 10 مليارات دولار أميركي.
ودفعت هذه الأرقام بعض المراقبين للتساؤل حول ما إذا كان ارتفاع واردات مصر من القمح بنسبة 30 في المئة عام 2023 بسبب تصاعد أعداد النازحين، وينتقد كذلك البعض استهلاك اللاجئين للوقود المدعم والكهرباء المدعمة في مصر.
انتشار السودانيين يحقق رواجاً اقتصادياً في مصر
أشرف ميلاد روكسي، المحامي المعني بشؤون اللاجئين والموظف السابق بالأمم المتحدة قال في لقاء مع «CNN الاقتصادية» إن وجود السودانيين في مصر «ينعش الاقتصاد وتسبب في زيادة الطلب على الكثير من الشقق المغلقة، كما أنهم لا يحصلون على الخبز المدعم كونهم خارج مظلة الحماية الاجتماعية التي توفرها الدولة، كما أن أغلبهم لا يمتلكون سيارات فلا يحصلون على الوقود المدعوم».
عزام محمد علي، مهندس نفط سوداني ترك أم درمان في أغسطس آب من العام الماضي وجاء إلى القاهرة وافتتح في حي المهندسين مركزاً لتعليم اللغة الإنجليزية تحت اسم فيجان.
عرف فيجان حياة سابقة في السودان قبل أن ينتقل إلى القاهرة بالشركاء الثلاثة وجزء من طلابه.
لا يستطيع مركز فيجان «إعطاء شهادات معتمدة في مصر»، ويوضح علي أسباب ذلك قائلاً «بسبب الاضطرابات في السودان لا نستطيع أن نحصل على تصديق من وزارة الخارجية هناك بأن المركز حاصل على شهادات الجودة، ونحن كمستثمرين أجانب في نظر القانون المصري لا نستطيع أن نحصل على اعتماد جديد في مصر إلّا بعد رفع رأس مال المشروع إلى مليوني جنيه مصري -نحو 40 ألف دولار- بينما رأس المال الحالي للشركة هو 10000 جنيه مصري فقط».
وسيقوم مصنع تعبئة الزيوت، حيث يعمل بدري بتركيب ماكينة تغليف ثانية حيث إن كيس الزيت زنة 240 مللي لتر وجد رواجاً كبيراً في الأقصر وأسوان وسوهاج، ويطمح بدري للتوسع في التصدير إلى بعض الدول الإفريقية مثل إريتريا وتشاد والسودان، أما علي فيرجو الحصول على التصديقات اللازمة لجذب الطلاب المصريين الذين يرغبون في تعلم اللغة الإنجليزية «إذ إنهم يبحثون في المقام الأول عن شهادة معتمدة».