في عالم التواصل الاجتماعي المتصل بشكلٍ مستمر، لا يمكن التغاضي عن تأثير التكنولوجيا على المحتوى الذي نستهلكه ونشاركه؛ فمع وجود 4.62 مليار مستخدم نشط في جميع أنحاء العالم، تحتل منصات التواصل الاجتماعي موقع الصدارة في نشر المعلومات، وفقاً لما أفادت به إحصائيات شركة «هوت سويت».
ومع ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي، حدثت ثورة في عملية إنشاء المحتوى ومشاركته وتنظيمه، إذ تتجاوز إمكاناته وقدراته إنشاء النصوص، لتشمل الصور والتصميمات ومقاطع الفيديو والشعارات؛ وبالتالي، أثّر الذكاء الاصطناعي بشكلٍ كبير في المحتوى المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي.
وكغيره من التقنيات الحديثة، يعتبر الذكاء الاصطناعي سلاحاً ذا حدين، يقدّم العديد من الفرص والتحديات في الوقت نفسه.
من المرجح أن يستخدم الجناة الذكاء الاصطناعي الناتج لإنشاء حملات تضليل أكثر تعقيداً.
يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي أن تكون مفيدة في معالجة القلق المتزايد من الأخبار المزيفة والمعلومات الخاطئة؛ إذ من خلال تحليل كميات هائلة من البيانات والأنماط، يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي التوليدي أن تساعد منصات وسائل التواصل الاجتماعي على تحديد المحتوى المشبوه والمضلل والإبلاغ عنه، وعند دمجها مع المشرفين البشريين، تعزز هذه التقنية المتقدمة السرعة والقابلية للتوسع والدقة والكفاءة في تنظيم المحتوى، ما يُصعب نشر الأخبار المزيفة دون رقابة.
ومع ذلك، كما هو الحال في أي تقدم تكنولوجي، يجب معالجة التحديات.. الصراع الذي يدور بين المحتوى الكاذب المنشأ بواسطة الذكاء الاصطناعي وخوارزميات تنظيم المحتوى يطرح أسئلة حول فاعلية التدابير الحالية.
من المرجح أن يستخدم الجناة الذكاء الاصطناعي الناتج لإنشاء حملات تضليل أكثر تعقيداً، بالإضافة إلى ذلك، تشكّل الزيادة في المحتوى الذي ينشئه المستخدمون تحدياً كبيراً للشركات التي تسعى جاهدة لمراقبة المحتوى قبل نشره.
تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي يعزز إنشاء محتوى إبداعي عالي المستوى.
وبالرغم من هذه التحديات، يجلب تنظيم المحتوى المستند إلى الذكاء الاصطناعي جانباً واعداً، فمن خلال استغلال النهج التلقائي، يعفي الذكاء الاصطناعي المشرفين البشريين من المهام المتكررة والمزعجة، ويضمن حمايتهم من المحتوى المسيء.
هذا التعاون التكافلي بين الذكاء الاصطناعي وخبرة البشر يضمن سلامة المستخدمين ويحافظ على نزاهة العلامة التجارية، فمثلاً ستستطيع العلامات التجارية تحديد المحتوى المسيء بسرعة وإزالته بمساعدة خوارزميات الذكاء الاصطناعي، ما سيؤدي إلى خلق مشهد رقمي أكثر أماناً لجميع المستخدمين.
علاوة على ذلك، فإن تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي يعزز إنشاء محتوى إبداعي عالي المستوى، كما يمكن لأنظمة التوصية المدعومة بالذكاء الاصطناعي أن تُمكّن المستخدمين من اكتشاف محتوى شخصي وملائم يتم تصميمه حسب اهتماماتهم، ما يوسّع نطاق الأعمال الإبداعية ويعزز بيئة التواصل الاجتماعي النابضة بالحياة والمتنوعة.
الشفافية والممارسات الأخلاقية للذكاء الاصطناعي ومحو الأمية الرقمية ضرورية في مواجهة التحديات والفرص التي يوفّرها الذكاء الاصطناعي التوليدي.
يمكن للمستخدمين أنفسهم إطلاق العنان لإبداعهم، وإنتاج أعمال فنية مذهلة بصرياً، وروايات مشوقة وتجارب تفاعلية، بفضل أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي.
إدراكاً للحاجة إلى تحقيق توازن بين حرية التعبير والتنظيم المسؤول للمحتوى، تعمل منصات وسائل التواصل الاجتماعي بنشاط على استكشاف إمكانات الذكاء الاصطناعي التوليدي.
يعد التعاون بين أنظمة الذكاء الاصطناعي والمشرفين البشريين أمراً بالغ الأهمية لضمان دقة وعدالة تنظيم المحتوى، ومن خلال الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن لمنصات التواصل الاجتماعي تعزيز استراتيجيات تعديل المحتوى الخاصة بها، والتكيُّف مع المشهد المتطور باستمرار للمعلومات المضللة والأخبار المزيفة، وتعزيز بيئة يزدهر فيها الإبداع، ويتم تشجيع المشاركة المسؤولة.
في عصر التحول هذا، يلزم بذل جهود جماعية من منصات وسائل التواصل الاجتماعي ومطوري الذكاء الاصطناعي والمجتمع ككل.
الشفافية والممارسات الأخلاقية للذكاء الاصطناعي ومحو الأمية الرقمية ضرورية في مواجهة التحديات والفرص التي يوفّرها الذكاء الاصطناعي التوليدي، ومن خلال تبني إمكانات الذكاء الاصطناعي التوليدي مع الحفاظ على النزاهة والمساءلة يمكن لمنصات التواصل الاجتماعي تشكيل مستقبل يزدهر فيه الإبداع، والحد من انتشار الأخبار المزيفة، ويتم تمكين المستخدمين من الاتصال والمشاركة بمسؤولية.
وأخيراً وليس آخراً، أحث المستخدمين على توخي الحذر والتحقق من صحة أي أخبار شائعة تُعرض على منصات التواصل الاجتماعي، وقد يكون من الضروري بذل جهد إضافي للتحقق من المعلومات من خلال مصادر موثوقة.
* منال نوري خبيرة وسائل التواصل الاجتماعي والرئيس التنفيذي للعمليات في وكالة العلاقات العامة العالمية «Luna PR».
** الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر «CNN الاقتصادية».