بين الزهد والشعر، وبين المسجد وسوق الخُمُر، كتب شاعر أموي بيتا واحدا فدوّى صداه في المدينة كلها، وخلّد اسمه في صفحات الأدب، وهو الشاعر مسكين الدارمي القائل: قل للمليحة في الخمار الأسود.
وقد سلطت حلقة برنامج “تأملات” بتاريخ 2025/7/15 الضوء على شخصية هذا الشاعر، واسمه ربيعة بن عامر، أحد سادات بني دارم وشعرائها المجيدين، وعُرف بمهاجاته للفرزدق، وكان يُحسب له حساب في مضمار الشعر حتى قال عنه الفرزدق إن توقفه عن هجائه كان من الشدائد التي نجا منها.
وإن كان قد اعتزل الدنيا ولزم محرابه، إلا أن أحد التجار استنجد به حين كسدت بضاعته، وبقي معه خُمُر سود لا تقبل عليها النساء، فكتب الدارمي أبياتا بعث بها إلى مغنٍّ لينشدها وهي:
قل للمليحة في الخمار الأسود
ماذا فعلت بناسك متعبدِ
قد كان شمر للصلاة ثيابه
حتى خطرت له بباب المسجدِ
ردي عليه صلاته وصيامه
لا تقتليه بحق دين محمدِ
سرت الأبيات بين الناس، وظنّ أهل المدينة أن الناسك وقع في الحب، فأقبلت النساء على شراء الخُمُر السود، ولم تمض أيام حتى باع التاجر بضاعته، حينها عاد الدارمي إلى عزلته وعبادته، وكأن شيئا لم يكن.
وأشارت الحلقة إلى ديوان الدرامي الذي جمعه وحققه في بغداد العالمان عبد الله الجبوري وخليل العطية، ومن جميل أبياته التي اختزلت فلسفته في الحياة:
ولست إذا ما سرني الدهر ضاحكا
ولا خاشعا ما عشت من حادث الدهر
أعف لدى عسري وأبدي تجملا
ولا خير في من لا يعف لدى العسر
وفي لحظة إنسانية نادرة، قال:
وإني لأستحيي إذا كنت معسرا
صديقي وإخواني بأن يعلموا فقري
قصة مثل
أما في باب الأمثال، فعرضت الحلقة قصة المثل “أزكن من إياس”، وأوضحت أن المقصود بالزكانة قوة الحدس والفراسة، والمشار إليه في المثل إياس بن معاوية، وهو قاضٍ في البصرة زمن عمر بن عبد العزيز، اشتهر بذكاء خارق.
ومن نوادره أنه سمع نباح كلب، فقال إنه مربوط عند بئر، ولما سُئل قال إنه سمع صدى الصوت فعلم مكانه، وفي موضع آخر رأى نوى تمر تجتمع عليه الذباب في جانب دون آخر، فاستنتج أن بالجانب المهجور حية، إذ الذباب ينفر من رائحة السم.
وقد اعتبره أبو تمام مثلا في الذكاء، فقال:
إقدام عمرو في سماحة حاتم
في حلم أحنف في ذكاء إياس
كما أوردت الحلقة حكاية من سيرة الأصمعي، إذ مرّ في أحد سكك الكوفة برجل خرج من بستان يحمل جرة، ويردد:
وأكرم نفسي أن أهنها لأنها
وحقك لم تُكرم على أحد بعدي
عامل يرد على الأصمعي
فقال له الأصمعي معاتبا: أبمثل هذا تكرمها؟ فأجابه العامل في عزة: نعم، وأستغني عن مسألة مثلك. وأردف بأبيات تنضح بالكبرياء:
لنقل الصخر من قلل الجبال
أحب إلي من منن الرجال
يقول الناس كسب فيه عار
وكل العار في ذل السؤال
وفي فقرة قل ولا تقل، توقف مقدم “تأملات” عند عدد من الأخطاء الشائعة فميّز بين:
- “يود فلان أن يفنى في خدمة الوطن”، وليس “يتفانى”، لأن التفاني يدل على فعل مشترك بين طرفين.
- “الخُطة الاقتصادية”، وليس “الخِطة”، فالضم تعني الترتيب، بينما الكسر تشير إلى الأرض التي تُبنى.
- “حاز فلان الشيء”، وليس “حاز عليه”، لأن الفعل متعدٍّ بنفسه دون الحاجة إلى حرف الجر.
15/7/2025–|آخر تحديث: 19:52 (توقيت مكة)