“عولمة المحليّ وتوطين العالميّ مع التأكد من أن آفاقنا تظل مفتوحة للعالم مع الحفاظ على شعورنا بالانتماء الى هُويتنا وأصولنا”، من ذلك المدخل المعرفي المتوازن، يمكن بارتياح أن تقرأ هذا الكتاب الجامع بين الإمتاع المعرفي والمؤانسة الفنية، والذي قامت على إصداره وكتابته الشيخة المياسة بنت ‏حمد آل ثاني، رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر، والتي أعلنت عن تدشينه في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، وتتحرك سطوره لكشف الروح الدافعة للحركة الفنية التجديدية، والصحوة الجمالية الإبداعية، التي تسودان حاليا دولة قطر، وقد سمّت كتابها “سِحْرُ الثقافة”.

يقدم الكتاب -وفق ما قالت الشيخة المياسة عبر حسابها على موقع إنستغرام- “سلسلة من الأفكار الشخصية حول مجموعة واسعة من المشاريع، والتي أقيمت بشكل جماعي وأسهمت ببناء مشهد ثقافي مزدهر واقتصاد إبداعي في قطر”، وقد روت صفحاته سيرة المتاحف والمنشآت المعمارية والمبادرات الفنية والثقافية التي يتبناها عدد من المؤسسات التي تشرف عليها، ولكن في إطار سيرورة وطن يصبو للنهضة والتقدم، حيث تقول المؤلفة إن كتاب سحر الثقافة “لا يتمحور فقط حول ‏إنجازات متاحف قطر، بل يتمحور حول إنجازات وطن ‏بأكمله”، وقد جاء هذا في حديثها أثناء مناقشة كتابها قبل أيام في إطار برنامج ‏‏”اقرأ وارتقِ”، ضمن مبادرة “قطر تقرأ” التابعة لمكتبة ‏قطر الوطنية.

وعولمة المحلي وتوطين العالمي، من المقولات المركزية للكتاب، وقد تحدثت الشيخة المياسة عنها باستفاضة في محاضرة شهيرة لها قبل عدة سنوات في سلسلة “تيد” (TED)، ويقدمها الكتاب في حيزها الفكري وفي واقعها التطبيقي داخل قطر كمعادلة حضارية عادلة حاكمة، لا تسمح بالانحباس في الذات ولا تقبل بالاستلاب من الآخر، والمقولة أيضا تعمل كإستراتيجية ترتكز على مبادرات تسعى إلى تقديم المحلي في إطار إبداعي يفهمه العالم، وتوطّن المعارف والتجارب العالمية، وتنزيلها في سياق يناسب ويثري الثقافة الوطنية. وقد نجحت إلى حد كبير هذه الإستراتيجية في أن توفر الظروف والمناخ لكثير من المبدعين في قطر، وقد تردد صدى نجاحات بعضهم عالميا، وفق ما تقول الشيخة المياسة في كتابها.

Sheikha Al Mayassa: Globalizing the local, localizing the global

قطر تبدع

أفصح الكتاب عن نفسه، في طبعة أنيقة تليق بمادته الجمالية، كما أفسح لقارئه الفرصة، للتراسل والتفاعل الذهني بين المسطور من الأفكار، والمنظور من الصور والقطع الفنية المستلّة من أروقة المتاحف والمعارض والمنشآت، والتي انسابت وتخللت صفحات الكتاب، وقد أضفت عليه الكثير من الرونق. يتضمن “سِحْرُ الثقافة” مقاطع سردية مكتوبة بعناية، تتجول -شرحا وإضاءة- بين الفنون الجمالية والمعمارية وعوالم المتاحف القطرية والأفكار والمبادرات الثقافية، وينتهي بتوقيعات حوارية صوتية أجرتها الشيخة المياسة بنفسها، مع بعض العقول الفنية العالمية والمحلية، وقد تم تفريغها ونشرها في فصل خاص في الكتاب، وقد جاءت تلك الحوارية في إيقاع سلس سيال، فيه تعريف بهُوية هؤلاء المبدعين، وكذلك فيه بسط ومناقشة لسياسات الجمال والثقافة السائدة في الدوحة، وهذه العقول هي التي أخذت على عاتقها، إثراء أركان قطر بسبائك من الإبداعات الفنية الممتدة ما بين البنايات الرسمية والخدمية والمتحفية التي تتجلى أمام أعين النظار.

جاء المقطع الأول من الكتاب تحت عنوان “خواطر يوميّة على مدار السنة لموظف حكومي”، حيث تقول الشيخة المياسة “بصفتي موظفة حكومية في بلدي -وأفتخر بذلك- فإنني أعمل على دعم رؤية قطر الوطنية 2030 وهي خطة واعدة لأجيال بلدنا، لتحويل اقتصاد قطر القائم على الكربون إلى اقتصاد قائم على المعرفة”. وتحت مظلة الرؤية الوطنية العامة هذه، وسّعت المؤلفة من مفهوم الثقافة الذي تنحاز إليه، فلا تقتصره على مجالات الفنون، ولم تختصره على النواحي الأدبية، وقدمته -وفق ما ورد في الكتاب- باعتباره مجموعة من السمات المتناغمة، تهدف إلى احتضان جميع مجالات الحياة، من تعليم ورياضة وصحة وتبادلات تجارية، مع التأكيد على المعادلة الراسخة سالفة الذكر “نستطيع بناء مواطنين عالميين دون تعريض هوياتنا المحلية للخطر”.

وطن راكز الحضور

وانطلاقا من الدور الوظيفي وبناء على الرؤية الثقافية الشاملة تلك، تتحدث المؤلفة عن مهامها والمبادئ التي تنطلق منها قائلة “من جهتي أقوم بتيسير الحوار من خلال التبادل الثقافي ومواءمة نفسي مع الرؤية الشاملة لبلدي. ولديّ شعور قوي أن مبادئ والدي هي التي شكلت الطريقة التي استخدمتها لتطوير إستراتيجيتنا الثقافية، فقد علّمني أن أكون منفتحة على العالم وصادقة مع ذاتي وهذا هو الجوهر الثقافي لدولة قطر”.

كما تناولت المؤلفة الشيخة المياسة، بالشرح والتحليل طبيعة التنشئة العائلية والتعليمية والبيئية التي عاشتها، وكانت سببا في تكوين وتعميق ملكاتها التفكيرية وتوجهاتها الثقافية والوطنية، مشيدة بالأثر الروحي والخلقي والفكري الذي تركه في نفسها وشخصيتها، الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، والوالدة الشيخة موزا بنت ناصر، وثمنت حصيلة التعاون والعمل المثمر في عهد أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وما يبذله من جهود من أجل استكمال مسيرة البناء والنهضة والعمران الجمالي.

كذلك اقتربت المؤلفة في هذا المقطع في كتابها من تاريخ دولة قطر، وتحدثت عنه كإقليم راكز الحضور عريق الوجود، ووطن يعتز باستقلاله “وشعب عزيز ومتماسك ومستقل ومخلص لمبادئنا الإسلامية المتمثلة في التسامح واحترام الذات”، مشيرة إلى أنه “إقليم قديم، لم يستعمر قط، وقد عُرف لأول مرة على خريطة رسمها الجغرافي الإسكندري بطليموس، الذي أطلق على البلد اسم كتارا”، مؤكدة أن نفس الاسم ظهر في القرن الـ15 في الصحف والخرائط البرتغالية والتي تحدثت عن القطريين ووصفتهم بأنهم شعب ذو بأس شديد لا يمكن غزوهم.

أما المقطع الثاني من الكتاب فقد تناول ما سمته “الدبلوماسية الثقافية والهندسة المعمارية والفن العام ومراكز الإبداع”، وكلها جهود وخطط تسعى لتفعيل السياسات الجمالية والمعمارية في ربوع دولة قطر، وبالنسبة للدبلوماسية الثقافية تشير المؤلفة إلى رحابة الدبلوماسية القطرية، وما اتسمت به من ود وسلام على مر التاريخ مع جميع دول العالم، وكذلك دورها الفعال في الوساطات وحل الخلافات والنزاعات، “وقد أثبتت العقود الماضية أن قطر دولة ناجحة في حل المشكلات الدولية، وأنها وسيط موثوق للصلح، وداعم للسلام والاستقرار في المنطقة”، وتؤكد المؤلفة أنه تأسيسا على ذلك الإرث وتعظيما للفوائد التي جنتها قطر بعد الإعلان في ديسمبر/كانون الأول 2010 عن نيلها حق تنظيم كأس العالم، تم إطلاق مبادرة “الأعوام الثقافية” بالشراكة مع وزارتي الخارجية والثقافة،” وهي برامج ثقافية مدتها 12 شهرا من المبادرات المشتركة بيننا وبين الدول الأخرى”، حيث يُخصص لكل دولة عامٌ تجري فيه تلك التبادلات الثنائية. وبرأيها فإن “الأعوام الثقافية تعد منصة دبلوماسية وثقافية مهمة للتبادل والحوار الدولي، (وهي) تمنحنا الفرصة للعمل بشكل أوثق مع أشخاص من مختلف أنحاء العالم. أشخاص لديهم معتقدات وأفكار مختلفة، ونحن نأمل أن تؤدي هذه المبادرات إلى تعزيز التفاهم المتبادل وزيادة مساحة الاحترام والتسامح”.

العمارة بوصفها طاقة مرسلة

كذلك أشارت المؤلفة في هذا الجزء من الكتاب، إلى النهضة العمرانية التي تشهدها قطر، وترى الشيخة المياسة في كتابها أن وقائع “الهندسة المعمارية هي الجانب الأكثر وضوحا في شخصية هذا البلد”، وتعتبر أن ما تم تشييده من بنية تحتية جديدة في دولة قطر “انعكاس لطموحنا، كما أنها لمحة مسبقة عما هو قادم”. ووفق ما رصدت في كتابها فإن كل مركز عمراني في قطر -من العاصمة الدوحة إلى القرى في شمال البلاد- يقدم تجارب معمارية مختلفة، وهذه التجارب منضبطة على إيقاع من التوازن بين الأصالة والمعاصرة، وهذا التوازن هو من سمات السياسات الجمالية القطرية، معتبرة أن “الجمع بين التقليدي والعصري هو الفكرة الرئيسة في الكثير من الهندسة المعمارية المعاصرة في دولة قطر، وأفضل مثال على ذلك هو حي مشيرب منطقة وسط المدينة في الدوحة، وهو يجسّد رؤية والدتي (تقصد الشيخة موزا بنت ناصر)”.

وتقول في “سحر الثقافة” إنه “أعيد تطوير هذا الحي الصغير بطريقة مذهلة، مستوحاة من تراث قطر، حيث تم إنشاء مجموعة متراصة من المباني تفصل بينها أزقة ضيقة توفر الظل، كما الحال في الأحياء القطرية القديمة، وتحتوي المباني على جدران سميكة ونوافذ صغيرة وممرات مغطاة ومشربيات مصممة أيضا للوقاية من حرارة الشمس. وتتوافق جميعا على أعلى معايير كفاءة الطاقة والاستدامة والتصميم البيئي، والتي تتحقق من خلال ممارسات البناء التقليدية، بدلا من الاعتماد على النماذج الميكانيكية للتبريد”.

وتحت عنوان ” الفن العام” ويُراد به تلك المبادرات الفنية التي تفترش شوارع وميادين قطر، وتضفي عليها تلك الطبائع الجمالية المدهشة؛ ترى المؤلفة “أنه كلما تم تثبيت المزيد من الأعمال الفنية الجيدة في الأماكن العامة، زاد الأشخاص الذين لديهم نظرة إيجابية للحياة”، وتفعيلا لدور الفن العام تم استحداث إدارة تتبع متاحف قطر مختصة بالإشراف على الفن العام والتكليف بأعماله.

وأشارت في هذا السياق إلى بعض النماذج الجمالية المنتشرة في ربوع قطر، مثل المنحوتة (v) للفنان العالمي الأميركي ريتشارد سيرا، التي اقترحت عليه تشييدها في حديقة الفن الإسلامي، وافتتحت عام 2011، وهي مستوحاة من مآذن مدينة “غزنة” في القرن الـ12 في أفغانستان. كذلك نفذ نفس الفنان، حسبما توضح، عملا فنيا تركيبيا في صحراء زكريت، تبعد حوالي 80 كيلومترا غرب الدوحة، تشبه منحوتات النحات السويسري ألبرتو جياكوميتي، وهو عمل تم استلهامه من حكايات الطفولة للأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني التي سمعها المصمم ريتشارد سيار، أثناء زيارة المكان.

كذلك أوضحت المؤلفة أنها حرصت على إقناع الفنانة الفرنسية الأميركية لويزا بورجوا أن تبيع قطر منحوتة “ماما” وهي آخر نسخة من 6 مسبوكات مصنوعة من البرونز على شكل عنكبوت عملاق مهيب” حيث شرحت لها ضرورة أن يكون عملها جزءا من الروح الجمالية التي تسود قطر، وقد نجحت في ذلك” واليوم تتألق منحوتتها في ردهة مركز قطر الوطني للمؤتمرات”.

أيضا تم تكليف الفنان الإنجليزي داميان هيرست -وفق ما تقول مؤلفة الكتاب- بعمل منحوتة “الرحلة المعجزة”، والتي كشف عنها النقاب عام 2013، خارج مركز السدرة للطب والبحوث، وكذلك تمثال “بقرة البحر” للفنان الأميركي جيف كونز “وهو إرث من العام الثقافي (قطر – أميركا 2021). إنها قطعة فنية مذهلة ورسالة تذكير بأن حماية مستقبل هذه الثدييات البحرية النادرة هي أولوية وطنية”.

الاقتصاد الإبداعي

وانطلاقا من توجهات مُخطّطة تربط بين الإبداع والاقتصاد، تؤكد المؤلفة “أن الاستثمار في الفن يخلق -بطبيعة الحال- بيئة محفزة على الإبداع. وتقدر تقارير الأمم المتحدة أن 10% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي سيكون معتمدا على الاقتصاد الإبداعي في المستقبل”، منوهة بأن الجهود الإبداعية القطرية الحالية تعمل وفق خطط إستراتيجية تقوم على شركات مع القطاع الخاص، والصناديق الحكومية وبنوك التنمية لدعم المبدعين في قطر والمنطقة بٍأسرها، إضافة الى الجهود التي تعمل على توفير الظروف والمساحات اللازمة للعمل الإبداعي والجمالي، مؤكدة في كتابها أنه بسبب تلك العوامل الدافعة “ليس لدي أدنى شك في أن مبدعينا يحدثون بالفعل تأثيرا عالميا في حقول التصميم والأزياء والأفلام والمجوهرات والتكنولوجيا ويشاركون في خطاب إبداعي عالمي”.

ثم نوهت بدور عدد من المؤسسات الداعمة للإبداع التي أطلقت مبادرات لإنشائها، حيث تم إنشاء مؤسسة الدوحة للأفلام لدعم صناعة السينما في عام 2010 وهي تقدم دورات في صناعة الفيلم، ومهرجان “أجيال”، الذي أطلق عام 2012 وهو مخصص للأطفال واليافعين، ومهرجان “قُمرة” وأطلق عام 2013 لصانعي الأفلام من المنطقة العربية، وكذلك” في عام 2015، اتخذنا خطوة كبيرة أخرى إلى الأمام نحو تطوير الاقتصاد الإبداعي في قطر، مع تحول مركز سابق للدفاع المدني إلى مساحة للفنانين. يُطلق على المبنى المعاد تصميمه (مطافئ: مقر الفنانين) ويوفر 22 مساحة استيديو لبرامج الفنانين المقيمين”.

كذلك تم تحويل بعض المنازل التراثية في منطقتي “الأصمخ” و”النجادة” إلى مساحات إبداعية مماثلة، بالإضافة إلى عدد من المواقع الأخرى. وحول تلك الخطط والتحركات تقول الشيخة المياسة “إن خارطة الطريق الثقافية لهذه المنطقة واضحة: فالحاجة إلى الاستثمار في قوتها الإبداعية، لا تمكّن الأفراد الموهوبين فحسب، بل تدعم أيضا النمو الاقتصادي، وتدعم أهدافنا المتمثلة في تحويل الاقتصاد القطري إلى اقتصاد قائم على المعرفة”.

حين تبتسم المتاحف للحياة

وفي الجزء الخاص بالمتاحف القطرية خصصت رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر الشيخة المياسة، مساحة مهمة من كتابها، تستعرض فيه تاريخ المتاحف القطرية، وما تحويه من كنوز ونفائس، وما تمثله من دور وإلهام، وكذلك ما تتيحه من عوائد لإنعاش الاقتصاد الإبداعي، مؤكدة أن دور المتاحف في قطر ليس هامشيا، بل” هي جزء من حياتنا اليومية وفي صميم تخطيطنا لأجيالنا، لأننا عندما نمنح أطفالنا الصغار فهما للثقافة وتعليما جيدا، إننا نضمن بذلك نمو قطاعنا الإبداعي”. كذلك أشارت إلى أن إطلاق المتاحف في قطر تم وفق خطة على امتداد 35 عاما، ومن يلاحظ هذه الخطة فسيجد أنها، متعددة الدوائر، وقد جاءت معبرة عن الذات الوطنية الواعية بنفسها، وخادمة لطموحاتها نحو الانطلاق للتأثير العالمي.

وتنقسم الخطة المتحفية في قطر طبقا للكتاب إلى 3 مراحل، الأولى: التراث والهوية، من خلال إنشاء متحف الفن الإسلامي، والمتحف العربي للفن الحديث، ومتحف قطر الوطني، وهي “تدور حول معنى أن تكون مسلما وعربيا وقطريا”.

والثانية: وقد ركزت على التنمية الاجتماعية، وتشمل المتحف الأولمبي والرياضي، ومتحف دَدُ للأطفال، وتم افتتاحهما مؤخرا، وتلك المتاحف “تركز على الاهتمام بأجسام شعبنا وعقول شبابنا”.

وتمثل المرحلة الأخيرة من الخطط إطلاق 3 مؤسسات ثقافية تربط قطر ربطا وثيقا بالعالم بأكمله وهي: متحف قطر للسيارات ومتحف لوسيل ومتحف مطاحن الفن، وتم تحديد مواعيد افتتاحهم في الأجل القريب.

وبالنسبة لمتحف الفن الإسلامي، وفق المؤلفة، فهو أول المؤسسات الفنية القطرية وقد تم افتتاحه عام 2008، ووفق ما جاء في الكتاب فإنه “يحتفي بأعظم الإنجازات الفنية والثقافية للحضارة الإسلامية ويسلط الضوء عليها، ليس في دولة قطر وحدها، بل في العالم الإسلامي بأسره وهو يحقق ذلك بفضل اقتنائه لأرقى مجموعة من أعمال الفن الإسلامي تضمّها مؤسسة عامة في الشرق الأوسط”.

أما المتحف العربي للفن الحديث، فوفقا لما جاء في سطور الكتاب هو “أول متحف مخصص للفن الحديث في العالم الناطق بالعربية. وتضم مقتنيات المتحف -التي تتشارك بملكيتها متاحف قطر ومؤسسة قطر- أكثر من 9 آلاف عمل فني، ما يجعلها المجموعة المتخصصة الأكبر من نوعها في العالم”.

ثم متحف قطر الوطني الذي فتحت أبوابه عام 2019 “وكانت الرؤية تتمثل في متحف يقدم للعالم القصة الفريدة لدولة قطر، من عصور ما قبل التاريخ، إلى وقتنا الحاضر، لقد أردنا متحفا يجعل كل هذا التاريخ متاحا في زيارة واحدة.. أردناه متحفا يجسد شخصية قطر وروحها، الماضي والحاضر والمستقبل” وفق قول المؤلفة.

سحر الثقافة جلالا وجمالا

“أنا ممتنة إلى الأبد لكل من يعمل على إحياء سحر الثقافة وجلالها وجمالها في حياتنا”، بتلك العبارة، تتبدى دلالة السطور التالية، وما تمثله من معان داخل “سحر الثقافة”، حيث خصصت المؤلفة، آخر صفحات الكتاب، لحوارات صوتية، تم تفريغها، أجرتها الشيخة المياسة، مع عدد من صنّاع الحالة الجمالية التي تشهدها قطر، وقد حرصت الأسئلة والمداخل التي تم طرحها من قبل المؤلفة، أن تفسح لهم المجال للتعبير عن أعمالهم في قطر، وعن كيفية اكتشافهم مواهبهم، تاركة للقارئ الفرصة للتعرف عليهم، وفهم توجهاتهم الإبداعية والفكرية.

من بين تلك الحوارات لقاء مع الفنان الآيسلندي – الدانماركي أولافور إلياسون والمشهور بفن التركيب واستخدام الضوء والماء ودرجة الحرارة لتعزيز تجربة المشاهد، والذي افتُتحت أحدث أعماله الفنية المصنعة خصيصا لقطر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كما عُقد له معرض في مارس/آذار 2023. وقد أجاب أولافور عن سؤال من المؤلفة حول أهمية الثقافة وقوة تأثير الفن، قائلا “أعتقد أن أحد الأشياء الفريدة في القطاع الثقافي هو أنه يمكن أن يستوعب الاختلاف، فهو يرحب بتباين الآراء”، وبرأيه أن كل اختلاف في الأذواق الفنية هو كشف عن الخيارات الجمالية المتعددة. وعن سؤال للمؤلفة عن أهمية الفن الحديث والمعاصر في منطقتنا في العالم، قال إن زيارة متاحف الفنون مختلفة عن أي زيارة ترفيهية مثل مدن الألعاب، مؤكدا أن زيارة المتحف تجعل الإنسان في مواجهة أفكاره، وتمكنه من اكتشاف ما بداخله من عوالم.

وبالنسبة للمصمم المعماري الهولندي ريم كولهاس صاحب تصميم مبنى مكتبة قطر الوطنية، والمقر الرئيسي لمؤسسة قطر، والعديد من الأعمال العالمية أبرزها تصميم مقر التلفزيون الصيني المركزي، فقد أشار في بداية حواره إلى نظرته للهندسة المعمارية بوصفها شكلا من أشكال كتابة السيناريو السينمائي، وإن كانت الهندسة المعمارية أكثر إثارة للاهتمام وأكثر واقعية على حد قوله، ثم تناول الحوار بين المؤلفة الشيخة المياسة والمصمم المعماري ريم كولهاس، الأبعادَ والتصورات التي دفعته لتصميم مكتبة قطر ككيان مذهل ينتمي للقرن الـ21، حيث قال “بدا لي أن المكتبة النموذجية تحتوي على الكثير من الأشياء غير المحفزة والجذابة.. وغالبا ما يكون القارئ عند دخوله بعيدا جدا عن الكتب.. كل ذلك أوحى لي أن أحاول أن أنشئ مبنى يمكن الدخول إليه دون الكثير من الإجراءات وبمجرد دخولك فإنك تجد وفرة في الكتب المحيطة بك.. ومحاطا بمدرجات من الكتب”.

أما المعمارية القطرية فاطمة إبراهيم السهلاوي، وهي شريك مؤسس في مكتبة أطلس 2015 واستديو عمارة 2017، وتقود “مخطط دولة قطر” في مكتب رئيس مجلس أمناء متاحف قطر الشيخة مياسة بنت حمد آل ثاني، ويقوم عملها على استكشاف وفهرسة المعلومات التاريخية والطبيعية والاجتماعية عن قطر، فتؤكد أنه عند انجاز مشروع مخطط دولة قطر” ستكون النتيجة النهائية هي إنشاء بنك بيانات مرئي، وسنجعله متاحا، كأداة تخطيط شاملة للكيانات الحكومية والخاصة، والأخرى التي تعمل في تنفيذ مشاريع التنمية”.

وعن أعمالها الفنية في مدينة لوسيل تقول السهلاوي “بصفتي خريجة جديدة من كلية الهندسة المعمارية كان من المذهل أن تتاح لي فرصة العمل في مدينة جديدة ذات رؤية تنبض بالحياة.. كان مشروعي الأول هو تصميم واختيار فتحات صيانة المجاري (المنهول) في مدينة لوسيل، وكانت الفرصة الرائعة الأخرى هي تصميم واختيار لوحة ألوان النباتات بالمناطق العامة بالمدينة.. إن السير على طول ممشى الواجهة البحرية لمارينا الوسيل اليوم ورؤية النباتات التي اخترتها وقد أصبحت الآن أشجارا باسقة يمنحني الكثير من الرضا”.

ختاما، يشكّل الكتاب في صورته الكلية، وبسرديته الماتعة، تأريخا وتوثيقا مهمّا لمسيرة قطر الفنية، عبر بيان مرتكزاتها الثقافية ورؤيتها الحضارية التي تضع تنمية وإثراء الشأن المحلي والعالمي في صلب مسعاها بدون استلاب للعالميّ أو انغلاق على المحليّ كما وضحت الشيخة المياسة.

ويأتي الكتاب بذلك، ليفكّك السرّ الكامن وراء الحركة الفنية المتسارعة في دولة قطر، والتي بدأ القاطنون فيها والزائرون إليها يلمسون آثارها. كما يؤكد الكتاب أن هذه الرؤى الفنية ما زالت ركيزة من ركائز الحاضر، ومتطلِّعةً لمزيد من الإمتاع الجمالي والحضاري الذي يضع الدوحة في قلب الحركة الفنية العالمية بصبغة وروح وطنيين، بالاستناد على إرث الماضي، والسعي لتنمية الحاضر، والتطلّع لمستقبل أكثر إشراقا وإبداعا.

شاركها.
Exit mobile version