ينطلق الاثنين المقبل موسم توزيع جوائز نوبل، في حدث سنوي يحل هذا العام وسط أجواء عالمية ملبدة بفعل استمرار الحرب في أوكرانيا، والتشظي المتواصل للمجتمع الدولي، وتكاثر الكوارث حول العالم.
وسيفتتح موسم نوبل بالجوائز العلمية (الطب والفيزياء والكيمياء)، وبالنسبة للطب، فإن الخبراء يتوقعون أن تؤول الجائزة إلى باحثين أجروا دراسات عن الخلايا المناعية القادرة على مكافحة السرطان، أو الكائنات الحية الدقيقة أو عن أسباب النوم القهري.
وبعد جوائز الأدب الخميس، والسلام الجمعة، سيُختتم موسم نوبل بجائزة الاقتصاد يوم الاثنين في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول، وهي الجائزة الوحيدة التي لم يبتكرها المخترع السويدي الشهير ألفريد نوبل (1833-1896).
نوبل للسلام
ويتسائل مراقبون عما إذا كانت جائزة نوبل للسلام قد تحجب هذا العام، إذ الآفاق الحالية قاتمة للغاية لدرجة أن بعض الخبراء لا يستبعدون أن تُحجم لجنة نوبل عن إعلان أي فائز بهذه المكافأة السنوية المنتظرة في موعدها المقبل يوم الجمعة السادس من أكتوبر/تشرين الأول.
وفي مؤشر إلى هذه التوترات، قررت مؤسسة نوبل عدم دعوة السفير الروسي لحضور حفل توزيع الجوائز في ديسمبر/كانون الأول المقبل في العاصمة السويدية ستوكهولم بعد الجدل الساخن الذي أثارته الدعوة الأولية.
وقال البروفيسور السويدي بيتر فالنستين المتخصص في القضايا الدولية “من جوانب عدة، سيكون من المناسب ألا تمنح اللجنة الجائزة هذا العام، ستكون طريقة جيدة لتسليط الضوء على خطورة الوضع العالمي كما حدث في سنوات الحربين العالميتين”.
وسبق أن وصل أعضاء اللجنة الخمسة في سنوات ماضية إلى طريق مسدود، آخرها في 1972، في عز حرب فيتنام.
لكن في العاصمة النرويجية أوسلو، فإن عدم اختيار فائز من بين مئات الطلبات التي جرى تلقيها (351 هذا العام)، سيُنظر إليه حاليا على أنه اعتراف بالفشل.
ويقول أمين لجنة جائزة نوبل أولاف نيولستاد لوكالة الصحافة الفرنسية “من الصعب للغاية تصور” مثل هذا السيناريو.
ويضيف “لا أقول إن ذلك مستحيل (لكن) العالم يحتاج حقا إلى شيء من شأنه أن يضعه على المسار الصحيح، لذلك أعتقد أنه من الضروري حقا منح جائزة نوبل للسلام، حتى هذا العام”.
ويناقش مراقبون احتمالات عديدة بينها أن تمنح الجائزة لفئة بدلا من شخص أو مؤسسة، مثل النساء الإيرانيات اللواتي يعبّرن عن غضبهنّ منذ وفاة الشابة مهسا أميني في أيلول/سبتمبر 2022، أو ناشطو تغير المناخ إذ كان صيف عام 2023 الأكثر سخونة على الإطلاق في العالم، وكان الطقس السيئ والحرائق والفيضانات مستعرة في جميع أنحاء الكوكب.
ويقول مدير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام دان سميث “أعتقد أن تغير المناخ هو خيار ممتاز لجائزة نوبل للسلام هذا العام”.
ويرغب سميث في أن تُمنح الجائزة مناصفة إلى حركة “فرايدايز فور فيويتشر” (أيام الجمعة من أجل المستقبل) التي أطلقتها الناشطة السويدية الشابة غريتا ثونبرغ، وإلى الزعيم القبلي البرازيلي راوني ميتوكتير، المدافع عن حقوق السكان الأصليين الذين يدفعون ثمنا باهظا جراء التغير المناخي رغم عدم تحمّلهم أي مسؤولية فيه.
ومن الأسماء الأخرى المتداولة: المحكمة الجنائية الدولية، والإيرانيتان نرجس محمدي ومسيح علي نجاد، والناشطة الأفغانية محبوبة سراج، أو حتى المعارض الروسي فلاديمير كارا مورزا.
وفي العام الماضي، مُنحت الجائزة لـ3 جهات ذات دلالات رمزية بالغة، وهي منظمة “ميموريال” الروسية غير الحكومية (التي أمر القضاء الروسي بحلها)، والمركز الأوكراني للحريات المدنية، والناشط البيلاروسي المسجون أليس بيالياتسكي.
نوبل للآداب
بالنسبة لجائزة نوبل في الآداب، المكافأة الرئيسية الأخرى، ينتظر النقاد تأكيد الوعد بزيادة التنوع الذي قطعته لجنة نوبل عام 2019 بعد فضيحة جنسية هزت الأكاديمية السويدية.
وفي العام الماضي، منحت اللجنة هذه الجائزة للفرنسية آني إرنو، وهي مؤلفة عمل يتمحور حول تحرر امرأة من أصول متواضعة أصبحت، رغما عنها، أيقونة نسوية.
وتقول أستاذة الأدب في جامعة ستوكهولم كارين فرانزين “في السنوات الأخيرة، ثمة وعي أكبر بحقيقة أننا لا نستطيع الاستمرار في اعتماد نظرة تتمحور حول أوروبا، وأننا بحاجة إلى مزيد من المساواة، وأن نقدّم جائزة تعكس العصر الذي نعيشه”.
مع ذلك، لم يتم الوفاء بوعد التنوع الجغرافي إلا جزئيا، فباستثناء الروائي البريطاني من أصل تنزاني عبد الرزاق جرنه في عام 2021، فإن آخر مرة مُنحت فيها جائزة نوبل الآداب إلى شخص من خارج أوروبا أو أميركا الشمالية، كانت عام 2012، مع الكاتب الصيني مو يان.
غائبون عن جائزة نوبل
ومنذ عام 1901، لم يتمكن 6 من الحائزي نوبل للسلام من حضور حفل هذه الجائزة العريقة في أوسلو.
ففي 1936، كان الصحفي الألماني وداعية السلام كارل فون أوسيتسكي يعاني في معسكر اعتقال نازي.
ثم عام 1975، استُبدل الفيزيائي السوفياتي والمنشق أندريه ساخاروف بزوجته إيلينا بونر.
وفي عام 1983، قرر النقابي البولندي ليخ فاليسا عدم الذهاب إلى أوسلو خشية عدم تمكنه من العودة إلى بلاده.
أما المعارضة البورمية أونغ سان سو تشي، التي مُنحت الجائزة عام 1991 أثناء وجودها في الإقامة الجبرية، فقد حصلت على إذن من المجلس العسكري بالذهاب إلى أوسلو، لكنها امتنعت عن ذلك لخشيتها من عدم تمكنها من العودة إلى بلادها أيضا.
وفي عام 2010، كان المنشق الصيني ليو شياوبو مسجونا. وتُرك كرسيه الذي توضع عليه الجائزة فارغا في بادرة رمزية.
كذلك في عام 2022، كان المدافع البيلاروسي عن حقوق الإنسان أليس بيالياتسكي مسجونا، ومثّلته زوجته ناتاليا بينتشوك في حفلة تسلم جائزة نوبل للسلام.
منذ 1974، ينص النظام الأساسي لمؤسسة نوبل على أنه لا يمكن منح الجائزة لشخص متوفى، إلا في حال حدوث الوفاة بعد الإعلان عن اسم الفائز.
وحتى اعتماد هذه القاعدة رسميا، مُنحت جائزة نوبل مرتين فقط لشخصين متوفين، هما الشاعر السويدي إريك أكسل كارلفيلدت (نوبل للآداب عام 1931)، ومواطنه الأمين العام للأمم المتحدة داغ همرشولد، الذي اغتيل على الأرجح (جائزة نوبل للسلام عام 1961).
وقد حُجبت الجائزة أيضا سنة 1948 إثر وفاة المهاتما غاندي كبادرة تقدير له. كذلك حُرم الكندي رالف شتاينمان من الحصول على جائزة نوبل للطب سنة 2011، إذ علمت لجنة نوبل لدى الاتصال به لإبلاغه بالفوز أنه توفي قبل 3 أيام. لكن اسمه لا يزال مدرجا بين قائمة الفائزين.
نسبة النساء
تقتصر نسبة النساء في قائمة الحائزين جوائز نوبل على 6% فقط منذ عام 1901. وفي أدنى القائمة جائزة الاقتصاد (2.2%)، تليها الجوائز العلمية مجتمعة (3.7%). أما على صعيد الأدب فتبلغ نسبة النساء الفائزات 14.2%، فيما الوضع أفضل قليلا على صعيد التمثيل النسائي بين الفائزين بجائزة نوبل للسلام (16%).
واعتبرت الفائزة الفرنسية بجائزة نوبل للآداب أني إرنو في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية سنة 2022 أن نوبل مؤسسة “للرجال”.
على الرغم من البطء، إلا أن الأمور تتغير، فمنذ مطلع القرن الحالي، نالت 31 امرأة جوائز نوبل، أي ما يقرب من 3 مرات أكثر من عددهنّ في العقدين السابقين. وفي عام 2009، حصل رقم قياسي من 5 نساء على جائزة نوبل، بينهن أول فائزة بجائزة الاقتصاد، الأميركية إلينور أوستروم. كما أن أول شخص يفوز بجائزة نوبل مرتين كانت امرأة، وهي الفرنسية من أصل بولندي ماري كوري (الفيزياء 1903 والكيمياء 1911).
نوبل الرياضيات
لماذا لا توجد جائزة نوبل في الرياضيات؟ في ثمانينيات القرن الماضي، دحض باحثون رواية جرى تداولها طويلا، وتفيد بأن ألفريد نوبل تعمّد عدم تخصيص جائزة في هذه الفئة انتقاما من عشيق عشيقته، عالم الرياضيات ماغنوس غوستا ميتاغ ليفلر. لكنّ شيئا لا يدعم هذه الفرضية.
أما التفسير الأكثر منطقية لهذا الغياب فهو ذو شقين: في عام 1895، عندما كتب نوبل وصيته، كانت هناك جائزة موجودة بالفعل في السويد للرياضيات، ولم ير تاليا أي فائدة من إنشاء جائزة ثانية. إلى ذلك، في بداية القرن العشرين، كانت العلوم التطبيقية مفضلة من جانب النخب والرأي العام الذين لم يعتبروا أن البشرية تدين بالكثير للرياضيات.
مخترع الديناميت
تُعلن الجوائز في بداية أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، لكنها تُقدم وسط أجواء احتفالية كبيرة في ستوكهولم للجوائز العلمية والاقتصادية والأدبية، وفي أوسلو لجائزة نوبل للسلام في 10 ديسمبر/كانون الأول ، ذكرى وفاة مؤسس هذه المكافآت، مخترع الديناميت ألفريد نوبل (1833-1896).
وفي ستوكهولم، تلي حفلة توزيع الجوائز مأدبة تجمع حوالى 1300 ضيف في مقر البلدية، بحضور الملك كارل السادس عشر غوستاف والملكة سيلفيا.
وفي أوسلو، يجتمع ألف ضيف لحضور الحفلة في مقر البلدية، تليها مأدبة أصغر في “غراند أوتيل” ، وتشمل قائمة الحضور جميع السفراء باستثناء السفير الروسي الذي يستبعد للعام الثاني على التوالي.