حقق فريق من العلماء في برلين بألمانيا تقدماً واعداً نحو علاج أحد أكثر أمراض الكلى الوراثية شيوعاً باستخدام تقنية تعديل الجينات. وقد تساعد تقنية تُعرف باسم «تحرير القاعدة» يوماً ما مرضى مرض الكلى متعدد الكيسات السائد، وهو أحد أكثر الاضطرابات الوراثية البشرية شيوعاً، وتهديداً للحياة. وفي هذا المرض تنمو كيسة غير طبيعية كبيرة في الكلى.
مرض وراثي يهدد الكلى
ينتج المرض عن طفرات في جيني PKD1، وPKD2، ما يؤدي إلى تكوّن أكياس مملوءة بالسوائل في الكلى. ومع مرور الوقت تسبب هذه الأكياس ارتفاع ضغط الدم، والتهابات، وألماً شديداً، وتنتهي غالباً بفشل كلوي يستدعي الغسيل، أو الزراعة.
دواء واحد لا يكفي
حالياً هناك دواء واحد معتمد هو تولفابتان (Tolvaptan) يبطئ نمو الأكياس، لكنه يسبب آثاراً جانبية قوية، منها فقدان الجسم كميات كبيرة من السوائل. كما أنه لا يعالج الأكياس الكلوية، التي عاني منها عدد كبير من المرضى، ما يجعل الحاجة ماسة لعلاجات جديدة.
تحرير القاعدة تقنية دقيقة لتصحيح الطفرات
قاد الدراسة الدكتور مايكل كامينسكي رئيس مجموعة «هندسة خلايا الكلى» في مركز برلين لبيولوجيا الأنظمة الطبية بالتعاون مع باحثين من ألمانيا، والولايات المتحدة، ونُشرت نتائجها في مجلة «Molecular Therapy» في 20 أغسطس (آب) 5202. استخدم الفريق تقنية كريسبر-كاس CRISPR/Cas المطوَّرة لتحرير القاعدة، وهي أداة تتيح تصحيح «حرف» واحد في الشيفرة الوراثية بدقة عالية بدلاً من قص واستبدال مقاطع كبيرة.
نتائج واعدة على الفئران
كما حدد الباحثون 39 طفرة في جين PKD1 لدى مرضى مرض الكلى متعدد الكيسات السائد Autosomal dominant polycystic kidney disease (ADPKD)، وتمكنوا في المختبر من تصحيح نحو ثلثها. وعند اختبار التقنية على خلايا مأخوذة من بول المرضى استعادت الخلايا إنتاج بروتين (بوليسيستين-1 polycystin-1) الضروري لوظائف الكلى. وفي تجارب على فئران مصابة أظهرت النتائج انخفاضاً ملحوظاً في عدد وحجم الأكياس الكلوية، وهو تقدم مهم، لأن العلاج الحالي لا يعالج هذه المشكلة.
عقبات في الطريق إلى الكلى
يقول كامينسكي: قد يكون هذا مفيداً بشكل خاص للمرضى، لأن الدواء الوحيد المعتمد لا يقلل من الأكياس الكلوية. وأضاف أن إصلاح الجين خفّض مؤشرات الإجهاد الخلوي، ما يعني أن التصحيح الجيني نجح وظيفياً. لكن الفريق يعترف بأن الطريق لا يزال طويلاً، إذ جُرّبت التقنية فقط على الخلايا، والفئران. ويعمل الباحثون الآن على تطوير وسائل لإيصال أدوات التحرير مباشرة إلى الكلى، ودراسة فعاليتها في المراحل المتقدمة من المرض.
نماذج خلوية تكشف أسرار الطفرات
وفي دراسة مكمّلة نشرت في مجلة «Scientific Reports» في 29 سبتمبر (أيلول) 2025 بقيادة مارتينا ميجليوريرو قسم العلوم الطبية جامعة تورينو إيطاليا وآخرين، أنشأ الباحثون نماذج خلوية تحمل طفرات محددة من جين PKD1، وسمحت هذه النماذج بفحص التأثيرات الوظيفية لكل طفرة، مثل اضطراب عملية البلعمة الذاتية، وانخفاض كفاءة الميتوكوندريا، واختلافات في تنظيم دورة الخلية، وهو ما ساعد العلماء على فهم العلاقة بين الطفرات والمرض بدقة أكبر، وربما إعادة تصنيف بعض الطفرات من غير مؤكدة إلى مسببة، أو غير مسببة للمرض.
من إدارة المرض إلى تصحيحه جذرياً
تُظهر نتائج الدراستين أن تحرير القاعدة قد يتحول من مجرد أداة بحثية إلى علاج جذري لمرض الكلى متعدد الكيسات السائد. فبدلاً من الاكتفاء بتخفيف الأعراض يمكن مستقبلاً تصحيح الطفرات المسببة للمرض في الكلى، والتي تطال الكبد أيضاً، ما يحسن فرص بقاء المرضى على المدى الطويل.
وكما قال كامينسكي إننا نقترب من مستقبل لا نكتفي فيه بإدارة الأمراض الوراثية… بل نصححها من جذورها.
