وجّه سكان العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء رسالة رفض جديدة لنهج الجماعة الحوثية، إذ خرجوا بالآلاف في تشييع الفنان الشعبي علي عنبة الذي اضطر قبل وفاته لمغادرة مدينته بعد أن ضيّقت الجماعة على الفنانين، وانتهجت سياسة عدائية تجاه مختلف أشكال الفنون.
وكان سكان صنعاء عبّروا في مرات سابقة عن رفضهم لحكم الجماعة من خلال الحشود الكبيرة التي خرجت لتشييع زعيمين قبليين معارضين لتوجهات الحوثيين، لكن مشاركتهم الكثيفة في تشييع الفنان الشعبي الراحل مثّلت أول رسالة احتجاج فنية صريحة ضد العداء الحوثي للفن والفنانين.
الفنان الذي فارق الحياة قبل أيام في العاصمة المصرية القاهرة فرّ إليها هرباً من التضييق الذي يمارسه الحوثيون ضد المشتغلين بالفنون. وتمتع عنبة بشعبية واسعة بين مختلف الفئات الاجتماعية والثقافية، وهو ما تجلى في موجة الرثاء الكبيرة التي ملأت مواقع التواصل الاجتماعي بعد وفاته.
وفي ظل غياب تام لأي ممثل عن وزارة الثقافة التابعة لحكومة الحوثيين غير المعترف بها دولياً، عُدّ الحضور الشعبي الواسع في التشييع رسالة رفض علنية لسياسات الجماعة التي منعت الغناء، وبثّ الأغاني في القنوات والإذاعات، وقيّدت أنشطة الفنانين، ومنعتهم من إقامة الحفلات العامة، بل داهمت حفلات الزفاف، وفرضت قيوداً عليها، رغم كونها المصدر الرئيس لدخل كثير من الفنانين في ظل ظروف الحرب.
تشييع كبير
استقبلت الحشود جثمان الراحل فور وصوله إلى صنعاء، ثم تجمعت في اليوم التالي في مسجد عمر بن الخطاب بحي مسيك شرقي صنعاء الذي اكتظ بالمشيعين قبل أن يُحمل النعش على الأكتاف في مسيرة مشي طويلة حتى موقع الدفن.
وردد المشاركون الأذكار والدعوات في مشهد مؤثر عكس حجم الحزن على فنان رحل في بداية عقده السادس بعد معاناة طويلة مع داء السكري، ومشكلات في القلب، فاقمها ما تعرض له من ملاحقة قضائية استمرت خمس سنوات بسبب بناء سلم لمنزله.
وكان عنبة قد وصل الشهر الماضي إلى القاهرة مع أسرته بنيّة الاستقرار هناك كما فعل كثير من الفنانين اليمنيين الذين غادروا البلاد بعد أن فرض الحوثيون قيوداً مشددة على الحركة والإنتاج الفني، ومنعوهم من إحياء الحفلات، أو تسجيل الأعمال الجديدة، وشنّوا حملات إعلامية وخطابية ضد الفن، وخصّوا الغناء بالاستهداف الأكبر. وأبلغ أصدقاءه في القاهرة بأنه قرر الاستقرار النهائي هناك بعد أن أثقلته الأوضاع في صنعاء، لكنه توفي فجأة إثر نوبة سكر حادة.
خسارة مبكرة
نعى الوسط الفني والثقافي اليمني الراحل عنبة، ووصفه بـ«المبتكر والخلاق»، مشيرين إلى أنه لحّن أكثر من سبعين أغنية، وكان من أكثر من استخدم الإيقاع الكوكباني في صياغة أغانٍ حديثة، كما أدخل مقامات موسيقية جديدة إلى اللون الصنعاني التقليدي. وأكدوا أنه كان الفنان الوحيد من جيل ما بعد الرواد الذي تناول في أغانيه قضايا اجتماعية، ورفض الغناء للحكام، أو التكسّب من مدحهم.
وبحسب زملائه، كرس الراحل جزءاً كبيراً من حياته لتوثيق التراث الغنائي الشعبي في الأرياف، متنقلاً من قرية إلى أخرى لجمع الألحان الموروثة، وتوثيقها، وحمايتها من الاندثار.
هذا الحضور الجنائزي لتشييع الفنان علي عنبه؛هو رفض مطلق للعنصرية الطبقية التي يريد الحوثيون تكريسها في المجتمعلو كانت جنازة عبدالملك لما خرج الناس بهذا الشكل من تلقاء أنفسهم حبا وتكريما للرجل اليمني مثلما فعلوا مع الفنان علي عنبه رحمه اللهالشعب اليمني حي بحاجة لمن يستنهضه فقط pic.twitter.com/h2Tqh7dQry
— سعد يحيى القاعدي (@SaadAlgaedy) October 14, 2025
كما احتفظ بعدد من الألحان النادرة التي كادت تضيع، واستعاد ألحاناً يمنية قديمة نقلها اليهود اليمنيون معهم إلى إسرائيل، وأعادوا إنتاجها هناك في سياق توراتي، مؤكداً في أحاديثه السابقة أنها جزء من التراث اليمني الخالص.
وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً معمر الإرياني نعى الفنان الراحل، واصفاً إياه بأنه «أحد أعمدة الفن الشعبي اليمني»، مشيداً بدوره الكبير في صون التراث الفني الأصيل، وبصمته التي ستظل حاضرة في وجدان اليمنيين، وذاكرتهم الثقافية.
وقال الإرياني إن عنبة كان «رمزاً للطرب الشعبي، وصوتاً صادقاً خرج من وجدان الناس، فدخل كل بيت بأغانيه التي ملأت القلوب شجناً، ودفئاً».
“);
googletag.cmd.push(function() { onDvtagReady(function () { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); }); });
}