طُلب من المحكمة الجنائية الدولية مراجعة مذكرة قانونية سرية تجادل بأن مجموعة «فاغنر» المرتبطة بروسيا ارتكبت جرائم حرب من خلال نشر صور لفظائع مزعومة في غرب أفريقيا على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك صور توحي بأعمال أكل لحوم البشر.
وصل العنف في منطقة الساحل، وهي شريط من الأراضي القاحلة جنوب الصحراء الكبرى، إلى مستويات قياسية بينما تقاتل الحكومات العسكرية جماعات متطرفة مرتبطة بتنظيمي «القاعدة» و«داعش». وفي العام الماضي، أصبحت هذه المنطقة الأكثر دموية على وجه الأرض من حيث التطرف، حيث قُتل نصف ضحايا التطرف البالغ عددهم نحو 8000 شخص في هذه المنطقة، وفقاً لبيانات سنوية أعدها «معهد الاقتصاد والسلام».
وبينما تنسحب الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى من المنطقة، استغلت روسيا الوضع لتوسيع التعاون العسكري مع عدة دول أفريقية عبر مجموعة «فاغنر»، وهي شركة أمنية خاصة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالاستخبارات والجيش الروسي، وفق ما ذكرت وكالة «أسوشييتد برس».
ويقول المراقبون إن هذا النهج الجديد أدى إلى نوع من الفظائع وتجريد البشر من إنسانيتهم لم تشهده المنطقة منذ عقود. وتوفر وسائل التواصل الاجتماعي نافذة على هذه الفظائع المزعومة التي غالباً ما تحدث في مناطق نائية تفتقر إلى الرقابة الحكومية أو الدولية.
ويقول الخبراء إن هذه الصور، رغم صعوبة التحقق منها، يمكن أن تُستخدم أدلة على ارتكاب جرائم حرب. وتذهب المذكرة السرية المقدمة إلى المحكمة الجنائية الدولية إلى أبعد من ذلك، حيث تجادل بأن مجرد نشر هذه الصور على وسائل التواصل الاجتماعي قد يشكل في حد ذاته جريمة حرب. وهذه أول مرة يتم فيها تقديم مثل هذا الطرح إلى المحكمة الدولية.
فيديوهات تجرّد من الإنسانية
تُظهر المذكرة، إلى جانب تقارير وكالة «أسوشييتد برس» حول هذه القضية، أن شبكة من قنوات التواصل الاجتماعي، يُرجح أنها يدير ها أفراد حاليون أو سابقون من «فاغنر»، قد أعادت نشر محتوى تزعم هذه القنوات أنه من مقاتلي «فاغنر». وتروّج هذه القنوات لفيديوهات وصور تبدو أنها تُظهر انتهاكات من رجال مسلحين يرتدون الزي العسكري، وغالباً ما تكون مصحوبة بلغة ساخرة أو مهينة.
في هذه الفيديوهات، يظهر رجال بالزي العسكري وهم يقطعون جثثاً يُعتقد أنها لمدنيين باستخدام المناجل، ويستخرجون الأعضاء ويتصورون مع أطراف مبتورة. ويقول أحد المقاتلين إنه على وشك أن يأكل كبد شخص ما. ويقول آخر إنه يحاول نزع قلبه.
ورغم أن مديري هذه القنوات مجهولو الهوية، فإن محللي المصادر المفتوحة يعتقدون أنهم مقاتلون حاليون أو سابقون في «فاغنر»، استناداً إلى نوعية المحتوى والرسومات المستخدمة، بما في ذلك شعار «فاغنر» في بعض الحالات.
وقد أكّدت تحليلات وكالة «أسوشييتد برس» أن الأعضاء الظاهرة في الفيديوهات حقيقية، وكذلك الأزياء العسكرية المستخدمة.
وتستهدف هذه الفيديوهات والصور، التي تُنشر بمزيج من اللغة الفرنسية واللغات المحلية، إذلال وتهديد من يُعدون أعداءً لـ«فاغنر» وحلفائها العسكريين المحليين، إلى جانب المجتمعات المدنية التي يتعرض شبابها لضغوط للانضمام إلى الجماعات المتطرفة. لكن الخبراء يقولون إن تأثير هذه المواد غالباً ما يكون عكسياً، حيث تؤدي إلى هجمات انتقامية وتزيد من تجنيد الجهاديين.
وقد أدانت حكومتا مالي وبوركينا فاسو في وقت سابق هذه الفيديوهات البشعة وقالتا إنهما ستحققان في الأمر، لكن من غير الواضح ما إذا كان قد تم التعرف على أي من الأشخاص الظاهرين فيها.
استمرار الوجود الروسي
وصفت وزارة الخارجية الأميركية مجموعة «فاغنر»، وهي شبكة من المرتزقة والشركات، بأنها «منظمة إجرامية عابرة للحدود».
ومنذ مقتل زعيمها، يفغيني بريغوجين، في حادث تحطم طائرة عام 2023، تطور موسكو منظمة جديدة باسم «فيلق أفريقيا» كقوة منافسة تحت قيادة مباشرة من السلطات الروسية.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت «فاغنر» انسحابها من مالي عبر منشور على منصة «تلغرام» جاء فيه: «المهمة أُنجزت». وفي منشور منفصل على نفس المنصة، قالت «فيلق أفريقيا» باقٍ. وفي مالي، يُقاتل نحو 2000 من المرتزقة الروس إلى جانب القوات المسلحة المحلية، حسب مسؤولين أميركيين. ومن غير الواضح عدد المنتمين إلى «فاغنر »وعدد المنضمين إلى «فيلق أفريقيا».
انتهاكات للكرامة الشخصية
وبموجب نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية، يُعد انتهاك الكرامة الشخصية، خصوصاً من خلال المعاملة المهينة والحاطّة من الكرامة، جريمة حرب. ويجادل خبراء قانونيون من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، الذين قدموا المذكرة إلى المحكمة العام الماضي، بأن هذه المعاملة قد تشمل استغلال «فاغنر» المزعوم وسائل التواصل الاجتماعي سلاحاً.
وقد قُدمت المذكرة إلى المحكمة قبل أن تفرض الولايات المتحدة عقوبات على المحكمة في وقت سابق من هذا العام. وتطلب المذكرة من المحكمة التحقيق مع أفراد من «فاغنر» وحكومتي مالي وروسيا بشأن الانتهاكات المزعومة في شمال ووسط مالي بين ديسمبر (كانون الأول) 2021 ويوليو (تموز) 2024، بما في ذلك القتل خارج نطاق القانون، والتعذيب، والتشويه، وأكل لحوم البشر.
كما تطلب من المحكمة التحقيق في الجرائم «التي ارتُكبت عبر الإنترنت، والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالجرائم المادية وتضيف بُعداً جديداً من الأذى لمجموعة أوسع من الضحايا».
وأبلغت المحكمة وكالة «أسوشييتد برس» أنها لا تستطيع التعليق على المذكرة، لكنها قالت إنها على دراية «بتقارير متعددة حول انتهاكات جسيمة مزعومة لحقوق الإنسان في أجزاء أخرى من مالي»، مضيفةً أنها «تتابع الوضع عن كثب».
وقال مكتب المدعي العام بالمحكمة إن تحقيقاته ركزت على جرائم الحرب المزعومة التي ارتُكبت منذ يناير (كانون الثاني) 2012، عندما استولى المتمردون على مناطق في شمال مالي، بما فيها غاو، وكيدال، وتمبكتو.
غياب المساءلة
ووثَّقت منظمة «هيومن رايتس ووتش» فظائع ارتكبتها «فاغنر» وجماعات مسلحة أخرى في مالي، وتقول إن المساءلة عن الانتهاكات المزعومة كانت ضئيلة، وإن الحكومة العسكرية مترددة في التحقيق في أفعال قواتها المسلحة والمرتزقة الروس.
وأصبح من الصعب الحصول على معلومات مفصلة حول الانتهاكات المزعومة بسبب «الهجوم المستمر الذي تشنه حكومة مالي على المعارضة السياسية، والمجتمع المدني، ووسائل الإعلام، والمعارضة السلمية»، حسب إيلاريا أليغروتزي، الباحثة في شؤون الساحل لدى المنظمة. وقد تفاقم ذلك بعد انسحاب بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من مالي في ديسمبر 2023 بطلب من الحكومة. وأضافت أن هذا الفراغ «سهّل ارتكاب مزيد من الفظائع».
“);
googletag.cmd.push(function() { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); });
}