في إحدى قرى ملاوي الحدودية الهادئة، حيث يتداخل ضوء الفجر مع ظلّ سيقان الذُّرَة المحطّمة، تقف آثار أقدام ضخمة شاهدة على كارثة بيئية واجتماعية لا تزال تتفاعل فصولها منذ 3 سنوات.
فقد تحوّل مشروع إعادة توطين 263 فيلا في متنزه كاسونغو الوطني، بتمويل من منظمات دولية وبمساندة حكومية، إلى كابوس لسكان مناطق مثل “تشيسينغا” و”تشيفوامبا”، إذ قضى 12 شخصا على الأقل دهسًا تحت أقدام هذه الحيوانات، وتعرّضت المحاصيل والممتلكات للدمار، دون أن تُوفَّر لهم تعويضات كافية.
رودويل تشاليليما، أحد سكان تشيسينغا، يتحدث بمرارة عن محاصيله المدمرة قائلا، “أحصينا نحو 200 فيل. لم يكن بوسعنا فعل أي شيء سوى مشاهدتها من منازلنا. من المستحيل إيقافها. نحن في حالة عجز”. أما كانوك فيري، فيبكي فقدان زوجته التي دهستها الفيلة بينما كانت تقطف الخضار، تاركة خلفها 5 أطفال.
ورغم أن الصندوق الدولي لرعاية الحيوان، الذي دعم المشروع، اعتبر العملية “ناجحة”، فإن السكان رفعوا دعاوى قضائية ضده، مطالبين بتعويضات تُقدّر بملايين الدولارات عن الأضرار التي لحقت بحياتهم ومعيشتهم، ومطالبين بتركيب سياج مناسب لعزل الفيلة.
“وهم” التعايش.. وتبعاته القاتلة
مايك لابوشاغن، الموظف السابق في الصندوق، وصف المشروع بأنه “وهم تسويقي” صُمّم لطمأنة المانحين الغربيين، دون التفكير الواقعي بعواقبه على المجتمعات القروية التي تعايشت فجأة مع قطعان من الفيلة المتجولة بلا حواجز.
وأكدت شركة المحاماة البريطانية لي داي، التي تمثل 10 مدّعين من ملاوي وزامبيا، أن موكليها لا يسعون فقط للحصول على تعويضات، بل كذلك إلى تغييرات عملية على الأرض، مثل إقامة سياج مكتمل حول المتنزه وضمان عدم تكرار التجربة دون دراسات تأثير مجتمعي.
دفاع حكومي وتحركات متأخرة
في المقابل، تبرأت الحكومة من المسؤولية الكاملة، مشيرة إلى أنها أتمت 84% من السياج البالغ طوله 135 كيلومترا، وقال الناطق باسم وزارة الحيوانات والنباتات، جوزيف نكوسي إن الحكومة “قدّمت مساعدات لكل حالة”، ولكنها “غير مطّلعة على أي قضية قانونية جارية”.

أما الصندوق الدولي لرعاية الحيوان، فشدّد على أنه لا يدير المتنزهات الوطنية ولا يقرر السياسات الميدانية، لكنه أقر بأن التعايش بين البشر والفيلة أدى إلى “عدد كبير من الوفيات والصدمات النفسية”، دون أن يقدم تفاصيل إضافية عن التدابير التصحيحية.
من جانبه، قال كاستون نييريندا، أحد وجهاء قرية “مبولوندي” القريبة من المتنزه، إن قريته “خسرت أرواحًا ومنازل وطعامًا”، مؤكدا “ندعم حفظ البيئة، لكن ليس على حساب حياتنا”.
وتظل المأساة الممتدة في ملاوي تجسيدا لتحدّيات التوفيق بين الحفاظ على البيئة وحقوق المجتمعات الهشة، حيث يكشف المشروع المكلّف عن فجوة كبيرة في التصور والتنفيذ، ويعيد طرح سؤال ملحّ: هل يمكن أن تنجح مشاريع حماية البيئة إذا لم تضع الإنسان في مركز أولوياتها؟