الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
الدوحة – قنا
تشكل زيارة فخامة الرئيس دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الصديقة إلى دولة قطر حدثا استثنائيا، كونها تأتي ضمن أول جولة خارجية يقوم بها منذ توليه منصبه في شهر يناير الماضي، فضلا عن أنها ثاني زيارة يقوم بها رئيس أمريكي إلى دولة قطر بعد زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش في العام 2003.
وتحمل الزيارة الهامة للرئيس الأمريكي الكثير من الدلالات، إذ تعكس الأهمية الكبيرة والمكانة البارزة التي تحظى بها دولة قطر كشريك استراتيجي للولايات المتحدة ووسيط موثوق في الدبلوماسية الإقليمية، لا سيما في ظل التحديات والظروف بالغة الدقة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط والعالم.
وتؤكد هذه الزيارة خصوصية العلاقات المتميزة القائمة بين دولة قطر والولايات المتحدة، والتي توجتها واشنطن في العام 2022 بتصنيف دولة قطر حليفا رئيسيا للولايات المتحدة من خارج حلف شمال الأطلسي “الناتو”، ما يعكس التقدير الأمريكي للشراكة بين البلدين، ويؤكد حرص الولايات المتحدة على تعزيز وتعميق التعاون مع دولة قطر في مختلف المجالات.
وتنبئ زيارة فخامة الرئيس دونالد ترامب إلى دولة قطر بمرحلة جديدة واعدة في علاقات التعاون والصداقة المتنامية بين البلدين الصديقين في المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمارية والعديد من المجالات الأخرى، بما يصب في صالح الشعبين الصديقين، ويدعم جهود الاستقرار بالمنطقة والعالم.
ويجسد الحوار الاستراتيجي السنوي بين دولة قطر والولايات المتحدة الأمريكية مدى عمق العلاقات الثنائية الراسخة ومستوى التنسيق على مختلف الأصعدة على مدار عقود بين البلدين، إذ يعد منصة هامة لمناقشة آفاق التعاون المشترك بين البلدين الصديقين وتعزيز مضامينه، في وقت يحرص فيه الجانبان على تمتين تلك العلاقات وتعزيز التقارب في الكثير من المواقف، لمواجهة الكثير من التحديات الإقليمية والدولية.
وتأتي تطورات الأوضاع في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة ضمن أبرز التحديات في المنطقة، وتجلى التنسيق بين دولة قطر والولايات المتحدة في جهود الوساطة المتواصلة، بالشراكة مع جمهورية مصر العربية، من أجل التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة وحقن الدماء وتخفيف المعاناة الإنسانية عن سكان القطاع.
وتحرص دولة قطر في كل المحافل الدولية على ضرورة أن تظل تلبية الاحتياجات الإنسانية الحيوية للشعب الفلسطيني أولوية قصوى للمجتمع الدولي، خاصة في ظل معاناته المتفاقمة من ويلات الاحتلال والحصار والحرب وعرقلة إسرائيل إدخال المساعدات الإنسانية، كما تطالب بضرورة استمرار وتكثيف الجهود الإغاثية إلى قطاع غزة.
ويحظى الدور الهام الذي تلعبه دولة قطر إقليميا ودوليا بتقدير الولايات المتحدة، وليس أدل على ذلك من تأكيد سعادة السيد تيمي ديفيس سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى الدولة، خلال منتدى الأمن العالمي الذي عقد بالدوحة مؤخرا، أن دولة قطر وسيط موثوق في الدبلوماسية الإقليمية وشريك مهم لبلاده، وأن الولايات المتحدة تحرص على التواصل مع قطر فيما يتعلق بقضايا المنطقة، كما نوه بجهود دولة قطر ودورها الرئيسي في مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
كما أكد السفير الأمريكي، في تصريحات سابقة، أن العلاقات القطرية الأمريكية تتوسع باستمرار، وأنها تعد مثالا للدول في جميع أنحاء العالم التي تريد بناء علاقات ثنائية قوية تنعكس إيجابا على الجانبين، مثمنا جهود دولة قطر الكبيرة ومساعيها لتحقيق السلام في المنطقة والمساهمة في حل مختلف النزاعات حول العالم.
ولطالما أكدت الأوساط السياسية الأمريكية على أهمية العلاقات الثنائية الوطيدة والتاريخية بين دولة قطر والولايات المتحدة، والقائمة على تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والتجاري والثقافي والتعليمي وفي العديد من المجالات، فضلا عن التنسيق والتعاون الوثيق بين البلدين الذي يتخطى البعد الثنائي، ليشمل مختلف القضايا العالقة والطارئة في المنطقة والعالم، لا سيما ما يتعلق بالأمن الإقليمي والتغير المناخي والملفات الاقتصادية وغيرها من المجالات.
ويعد التاسع عشر من شهر مارس عام 1972 علامة فارقة في تاريخ علاقات التعاون والتحالف والشراكة المتنامية بين دولة قطر والولايات المتحدة، وهو تاريخ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، علما بأن الجذور التاريخية للعلاقات غير الرسمية بين البلدين تعود إلى أبعد من ذلك بعشرات السنوات.
وعاما بعد عام تترسخ الشراكة الاستراتيجية بين البلدين وتزداد العلاقات قوة ومتانة من أجل تحقيق المصالح المشتركة لشعبي البلدين الصديقين والمساهمة في حفظ الأمن والسلم لشعوب المنطقة والعالم، لا سيما في ظل حرص قيادتي البلدين على تعزيز الأمن والازدهار في منطقة الخليج والشرق الأوسط، وضمان استقرار إمدادات الطاقة العالمية وتعزيز التعاون التجاري والاستثماري.
وتجاوزت العلاقات القطرية الأمريكية مرحلة التعاون لتنتقل إلى مرحلة التحالف والشراكة الراسخة مع انطلاق الحوار الاستراتيجي الأول بين قطر والولايات المتحدة في عام 2018، وأكدت دورية انعقاد الحوار بين الدوحة وواشنطن على التزام البلدين الراسخ بتعزيز التعاون والحرص على متابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وبحث ما تحقق من إنجازات والبناء عليها، فضلا عن التنسيق والتشاور حول التحديات الإقليمية والعالمية والأمن وإنفاذ القانون ومكافحة الإرهاب والتعاون التجاري والاستثماري المشترك، والعديد من القضايا الإقليمية والدولية.
ولطالما كانت دولة قطر حريصة على تقوية وترسيخ علاقات الشراكة المتنامية مع الولايات المتحدة وتوسيعها في مختلف المجالات والدفع بها إلى آفاق أرحب، ولعل ما يؤكد ذلك نجاحها في شهر يناير الماضي في تيسير عملية تبادل محتجزين بين الولايات المتحدة وأفغانستان، حيث أثمرت المساعي القطرية عن إطلاق سراح مواطنين أمريكيين كانا محتجزين في أفغانستان مقابل الإفراج عن مواطن أفغاني كان محتجزا بالولايات المتحدة، ما يؤكد مجددا مكانة دولة قطر كشريك موثوق على المستويين الإقليمي والدولي، ويعكس دورها الفاعل في صناعة السلام وتعزيز الأمن والاستقرار بالمنطقة والعالم.
وامتدادا لجهود دولة قطر في تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك إحلال السلام والاستقرار في أفغانستان، كانت استضافة الدوحة للمحادثات بين الولايات المتحدة وطالبان، والتي أثمرت عن توقيع اتفاق بين الطرفين في العام 2020، وهو الاتفاق الذي شكل خطوة أساسية وهامة نحو إنهاء حرب استمرت سنوات، وفتح الباب للمصالحة بين الأطراف الأفغانية بهدف إحلال السلام والاستقرار في هذا البلد الذي عانى الكثير.
وقوبل الدور القطري في إجلاء الرعايا الأمريكيين من أفغانستان، وكذلك في استضافة المحادثات مع طالبان بترحيب كبير من قبل الولايات المتحدة، حيث أعربت الإدارة الأمريكية عن شكرها وتقديرها لدولة قطر على دورها في تعزيز الأمن والاستقرار وجهودها في عملية السلام في أفغانستان.
وعلى مدار أكثر من 53 عاما حرصت دولة قطر والولايات المتحدة على تعزيز العلاقات بينهما والارتقاء بها في مختلف المجالات، لا سيما في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار، حيث شهدت العلاقات الاقتصادية ازدهارا كبيرا خلال تلك السنوات، لا سيما وأن قطر تستثمر مليارات الدولارات في الولايات المتحدة، كما أن الاستثمارات الأمريكية من أهم الاستثمارات في قطر، حيث تعمل عشرات الشركات الأمريكية في العديد من القطاعات الهامة في قطر، لا سيما في الطاقة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بما يدعم تحقيق أهداف رؤية قطر الوطنية 2030.
وتطمح دولة قطر والولايات المتحدة الأمريكية إلى تطوير علاقات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين على مختلف الأصعدة والارتقاء بها إلى آفاق أرحب، بما يصب في صالح الشعبين الصديقين ويدعم جهود التنمية والتطور في البلدين، ويسهم كذلك في دعم جهود تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.