مضى الحفل الـ97 سَلساً ومثيراً للاهتمام وتوزّعت جوائزه غالباً كما المتوقع، باستثناء أن عطلاً أصاب النقل المباشر على الأثير قطع البثَّ عندما وصلت اللقمة إلى الفم وأُعلن عن الجائزة الكبرى (والأخيرة في عداد ترتيب النتائج)، مما حَرَم المشاهدين من معرفة ماهية الفيلم الفائز إلى أن أُصلح العطل مع إسدال الستارة على هذه الدورة الجديدة من جوائز الأوسكار.
سينما بعيدة عن هوليوود
بيد أن المتوقع حصل بالفعل: خرج «أنورا» بجائزة أفضل فيلم تاركاً الأفلام التسعة الأخرى، من بينها منافِسه الأشد «ذَا بروتاليست»، في حسرة.
لم يَفُز فيلم شون بيكر بأوسكار أفضل فيلم فقط بل خطف جوائز أفضل مخرج (بيكر)، وأفضل سيناريو أصلي، وأفضل توليف (مونتاج) وكان المخرج قد كتب السيناريو وولّفه، وشارك في إنتاج الفيلم، مما جعل فوزه رُباعياً.
حقيقة أن شون بيكر ليس مُخرجاً هوليوودياً في الأساس بل صانع أفلام مستقلٍّ يجعل الأمر يبدو كما لو أن المُقترعين تبنّوا هذا المخرج في تفضيلٍ واضح على آخرين أكثر تواصلاً مع المؤسسة الإنتاجية الأم. ليس لأنها المرّة الأولى، لكن مع حدّة التّنافس مع أفلامٍ من إنتاج شركات هوليوود الأولى، يبدو أن هذا التفضيل نتاجَ فرادة الموضوع ومنوال إخراجه الخفيف كما توقعنا هنا عندما أشرنا إلى الاتجاه الجديد للأوسكار بمنح جوائز أفضل فيلمٍ في السنوات الأربع الماضية لثلاثة أفلام مغتربة عن التقليد هي: «نوماندلاند» لكلوي تشاو (2021) و«كودا» لشيان هَدر (2022) و«كل شيء، في كل مكان، في وقت واحد» لدانيال كوان ودانيال شاينرت (2023).
لم يخرج «ذا بروتاليست»، (وهو من إنتاجٍ شبه مستقل بدوره)، صفر اليدين، فهو فاز بجائزة أفضل تمثيلِ دورٍ أوَّل التي ذهبت إلى أدريَان برودي (ثاني أوسكار له؛ إذ كان قد حقّق هذا الإنجاز سنة 2002 عن دوره في فيلم «عازف البيانو» لرومان بولانسكي)، وأفضل موسيقى لدانيال بلومبيرغ، وأفضل تصوير لول كراولي. هذا أفضل من لا شيء في سباقٍ حادٍّ بين هذين الفيلمين («أنورا» و«ذَا بروتاليست») شمل مسابقات أفضل تمثيلٍ أول، وأفضل تمثيل رجالي مساند، وأفضل توليف.
لكنَّ القِلّة هي تلك التي توقّعت فوز ميكي ماديسون عن دورها في «أنورا». كما سبق لنا أن ذكرنا يوم الجمعة الماضي، ما آلت الآراء والتوقعات إلى فوز ديمي مور (عن «المادّة») أو فرناندا توريس (عن «ما زلت هنا») لذا كان فوز ماديسون، التي لعِبت دور فتاة ليل تقع في حب روسيٍّ، مفاجأة سارّة لها ومثيرة للعجب بالنسبة لآخرين كُثر.
نقطة لقاء أخرى بين فيلم بيكر ونماذج سابقة. هذه المرّة تدعونا المناسبة للمقارنة بين «أنورا» وبين «طفيلي» (Parasite)، الذي كان قد فاز بأوسكار أفضل فيلم سنة 2020. إذ إن شركة التوزيع التي رصفت الطريق أمام هذا الفوز واحدة (نيون) وهي مستقلة بدورها وخارج مظلة الشركات الكبرى (وورنر، وبراماونت، ويونيڤرسال، إلخ…).
«أنورا» ليس وحده الفيلم المستقل إنتاجاً في دائرة الأفلام التي رُشّحت للأوسكار. كذلك «ذَا بروتاليست» ينتمي إلى شركة (A24) و«المجمع المغلق» (Conclave)، من إنتاج «فوكاس فيتشرز» و«المادّة» يتبع شركة «موبي»، أما «فتيان النيكل» فهو من ممتلكات شركة «أورايون». كذلك الحال بالنسبة إلى «مجهول تماماً»، (سيرشلايت).
الأفلام التي انتمت إلى الشَّركات الأساسية هي «كثبان: الجزء الثاني»، (وورنر)، و«إيميليا بيريز»، (نتفليكس)، و«ما زلت هنا»، (سوني بيكتشرز كلاسيك)، و«شريرة»، (يونيڤرسال).
فلسطين على المنصّة
كما كان متوقعاً أيضاً خرج فيلم «ما زلت هنا» بأوسكار أفضل فيلم عالمي، وهو أحد فيلمين، من بين كلِّ هذه الأفلام المشاركة، تطرَّقا إلى موضوعٍ سياسي. فيلم والتر سالس مأخوذ عن مذكَّرات عن اعتقال زوج ورب أسرة برازيلي واقتياده إلى التحقيق خلال الحكم الديكتاتوري في البرازيل خلال السبعينات. الفيلم هو أول فيلم برازيلي يفوز بالأوسكار في تاريخ هذه الجائزة.
الفيلم الآخر «لا أرض أخرى»، (No Other Land)، إسرائيليُّ الإنتاج من إخراج فلسطينيين هما باسل عدرا وحمدان بلال، وإسرائيليين (يوڤال إبراهيم وراشيل سزور). الفيلم، الذي كان قد خرج بالجائزة الأولى من «مهرجان برلين» في دورة العام الماضي، مناهض للسياسة الإسرائيلية والحرب التي تشنُّها على قطاع غزة. وما يحدث الآن في الضفة الغربية كان مناسبةً أخرى لإعلان هذه المعارضة شفهياً على أعلى منصّة سينمائية في العالم. حدث هذا عندما وقف المخرج والمنتج باسل عدرا على المنصة لدى تسلم جائزة أفضل فيلم تسجيلي وقال: «ندعو العالم لاتخاذ أفعالٍ جادَّة لوقف غياب العدالة والتفرقة الإثنية للشعب الفلسطيني. قبل شهرين أصبحتُ أباً لأول مرّة، وأملي ألا تعيش طفلتي الحياة نفسها التي أعيشها الآن».
خطابٌ مؤثرٌ آخر ألقاه أدريان برودي عندما صعد المنصّة وتسلم أوسكاره عن دوره الأول في «ذا بروتاليست». برودي من الممثلين الذين لم يُنجزوا نجاحاً كبيراً في السينما إلا بفواصل زمنية متباعدة. وهو لاحظ ذلك عندما قال: «التمثيل مهنة طريّة. لا يهم في أي مرحلة تقف (ممثلاً) في مهنتك ولا يهم إنجازاتك، لأن كل شيء قد يمضي بعيداً. وأعتقد أن ما يجعل هذه المناسبة خاصّة جداً هو وعي هذه الحقيقة».
على عكس ما وقع خلال الفترة الرئاسية لدونالد ترمب، خلت الحفلة من أي ذِكرٍ له. كانت هناك إشارات مثل تبنّي داريل هانا (خلال تقديمها إحدى الجوائز) لأوكرانيا.
مفاجأة كبيرة
الخِطاب الأهم، خارج السياسة على الأقل، كان من إلقاء المخرج شون بيكر الذي ذكَّر هوليوود بأن السينما المستقلّة تخسر مواقعها وشاشاتها: «لقد خسرنا بعد عام 2019 (عام كورونا) 1000 شاشة في الولايات المتحدة كانت مخصصة لعرض الأفلام المستقلة. إذا لم نعمد إلى تغيير ذلك فإننا سنخسر جزءاً مفصلياً من ثقافتنا».
إحدى المفاجآت الكُبرى هي استقبال المنصّة المنتجَين باربرا بروكولي ومايكل جي. ويلسون، اللذين وقفا وراء أفلام جيمس بوند منذ عقود. صاحب ظهورهما استعراض لموسيقى وأغاني أفلام جيمس بوند، وهذا بعد نحو 10 أيام على إعلان أن ملكية هذا المسلسل الناجح انتقلت إلى شركتَي «مترو غولدوين ماير»، و«أمازون». نقلة لا أحد يعرف كيف ستتوجَّه وما الملامح الجديدة لأشهر أبطال السينما. ذلك العميل المتقلِّب والجاهز دائماً.
النتائج
• أوسكار أفضل فيلم:
– «أنورا» Anora.
• أوسكار أفضل مخرج:
– شون بيكر عن «أنورا».
• أوسكار أفضل فيلم تسجيلي:
– «لا أرض أخرى» (No Other Land) لباسل عدرا وراشيل تايلور، وحمدان بلال، ويوڤال أبراهام.
• أوسكار أفضل فيلم عالمي:
-«ما زلت هنا»، ( I’m Still Here)، لوالتر سالس (البرازيل) .
• أوسكار أفضل ممثل في دور أول:
– أدريان برودي عن «ذَا بروتاليست»، (The Brutalist).
• أوسكار أفضل ممثلة في دور أول:
– ميكي ماديسون عن «أنورا».
• أوسكار أفضل ممثل في دور مساند:
– كيران كولكين عن «ألم حقيقي»، (Real Pain).
• أوسكار أفضل ممثلة في دور مساند:
– زوي سالدانا عن «إيميليا بيريز»، (Emilia Perez).
• أوسكار أفضل سيناريو مقتبس:
– «المجمع المغلق»، Conclave.
• أوسكار أفضل سيناريو كُتب خصيصاً:
– شون بيكر عن «أنورا».
• أوسكار أفضل موسيقى لفيلم:
– دانيال بلومبيرغ عن «ذَا بروتاليست».
• أوسكار أفضل فيلم أنيميشن طويل:
– «فلو» (Flow)، (أول اشتراك وأول فوز لدولة لاتفيا).
• أوسكار أفضل تصوير:
– لول كراولي عن «ذَا بروتاليست».
• أوسكار أفضل توليف:
– شون بيكر عن «أنورا».
• أوسكار أفضل صوت:
– فنيو «كثبان 2»، (Dune: Part Two).
• أوسكار أفضل تصميم إنتاج:
– فنيو «شريرة»، (Wicked).
“);
googletag.cmd.push(function() { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); });
}