قسمها إلى نوعين وأوضح تضارب بعضها مع مقاصد الشرع..
سيد محمد
قسم فضيلة العلامة أ.د. علي محيي الدين القره داغي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين العملات الرقمية المشفرة إلى قسمين:
قسم لا يحمل أي فائدة سوى المضاربات مثل بتكوين، وترامب S، ودوغي كوين ونحوها، فهذه رأينا فيها عدم جواز التعامل بها.
وقسم آخر فيه منافع أخرى مثل المنصات كإيثريوم، فهذا جائز من حيث المبدأ.
واشترط لجواز التعامل بهذه العملات تحويلها إلى شركات مساهمة، أو تصدرها البنوك المركزية، أو تربط بسلع أو خدمات.
منوها بأن عملة البتكوين الأكثر رواجا والعملات التي ظهرت إلى جانبها أخيرا مثل ترامب S كوين، وغيرها لا تنسجم مع مقاصد الشرع، ولا تقدم خدمة لأي اقتصاد وطني أو عالمي، وإنما هي عملات مضاربات شخصية في المقام الأول.
وأوضح فضيلة الشيخ القره داغي في ندوة فقهية واقتصادية نظمها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين حول العملات الرقمية، أن من أبرز وأكبر إشكاليات العملات الرقمية أنها تسمى عملة، ولكن ليس لها وجود فيزيائي، ولا ما يقابلها من أي موجودات سوى الجوانب التقنية والإلكترونية المعقدة، فليست مدعومة بأصول معينة، وإنما مدعومة من المستخدمين أنفسهم، كما أنها لا تصدرها الدول، ولا البنوك المركزية، ولا المصارف والبنوك المعترف بها، وإنما أنشأها أشخاص، وأنشئت لأجلها شركات بسيطة في المناطق الحرة مثل جزر كايمين، والعذراء ونحوهما. كما أنها عملة افتراضية، قريبة من عملة “بتكوين” التي صممها شخص مجهول الهوية يعرف باسم “ساتوش ناكاموتو” ولم تعترف بها أي دولة إلى الآن سوى ألمانيا التي اعترفت بها لأجل فرض الضرائب عليها. ولكونها لا تستخدم إلاّ من خلال الإنترنت، وفي نطاق الشركات، وأن تسويق بعضها يقوم على التسويق الشبكي بعدة صور، نضيف إلى ذلك أنها عملة لا مركزية ذات مجهولية، بمعنى أنها لا تمتلك رقماً متسلسلاً ولا أي وسيلة أخرى، مما يسهل عملية شراء المخدرات ونحوها وبيعها عبر الإنترنت عملية سهلة، وأن معظم التعاملات بالعملات الرقمية تتم من خلال مضاربات قد تدخل في باب المقامرة، والمخاطرة، ولا تنفع الاقتصاد بشيء.
واستعرض فضيلة الشيخ القره داغي التجارة الإلكترونية والرؤية الفقهية وحكم إجراء العقود بوسائل الاتصال الحديثة، كما تناول مفهوم التجارة الإلكترونية، وخصائصها، ومزاياها، وعيوبها، وضوابطها، ومنافذها، ومتطلباتها الأساسية، وتقسيماتها، وخطواتها.
وأوضح فضيلته طبيعة المتاجرة في العملات والذهب والأسهم والسلع بالهامش (MARGIN) موضحا أن المتاجرة بالهامش أو ما يسمى (MARGIN) هو منح سيولة، أو ائتمان لمستثمر من أجل تمكينه من فتح صفقات بحجم أكبر مما أودعه، حيث قد يصل إلى أربعمائة ضعف، مثل أن يدفع مستثمر ألف دولار، فتسمح له المؤسسة الضامنة الحق له في التعامل بـأربعمائة ألف دولار، وحينئذ يفتح المستثمر عدة صفقات للبيع والشراء لعملة مقابل عملة مثل يورو مقابل دولار، أو نحوهما، أو في المعادن الثمينة مثل الذهب والفضة، أو في أسهم البورصات الدولية مثل داو جونز، ونازداك، أو في السلع الثمينة مثل البلاتين، والنفط، أو في المؤشرات كالخيارات والمستقبليات.
وفي معرض حديثه حول حيثيات وحقائق العملات الرقمية الإلكترونية، أشار فضيلة الشيخ القره داغي إلى أن الإسلام مع التقدم والتطور النافع مع الالتزام بالثوابت، فنحن نرحب بالعملات الإلكترونية، ولكن بشرط إيجاد حماية قانونية لها، حتى لا تضيع أموال المتعاملين، ولذلك تجيز المجامع الفقهية التعامل بالبطاقات الإلكترونية التي لها رصيد، أو ضمان لدى أحد البنوك الإسلامية.
وأشار إلى أن “بتكوين” بدأت تنتشر بشكل واسع، وأما “وان كوين” فهي عملة رقمية جديدة، ولم يُتَعَامَل بها في البورصة، ولا اعترفت بها دولة، كما أننا لم نسمع حولها من الآراء الفقهية أو الفتاوى، وكل ما قرأناه هو حول “بتكوين” وليس حول ” وان كوين” وهما لا يختلفان كثيراً. ولذلك يتوقع بعض المحللين الاقتصاديين أن هذه العملات الإلكترونية المشفرة قد تترتب عليها فقاعات تتسبب بأزمة اقتصادية عالمية جديدة عندما يكثر التعامل بها. فالمشكلة كما يقول فضيلة الشيخ أنها ليست في كونها إلكترونية، وإنما المشكلة في أنها لا تمثل أي موجود حقيقي، ولا أصدرتها جهة ضامنة لها، في حين أن النقود مضمونة القيمة على من أصدرها. ولذلك فهي تساعد على عملية غسيل الأموال، وسداد قيمة تجارة المخدرات، وتحويل أموال ناتجة عن العمليات الإجرامية، ومن ثم تساهم في زيادة الأنشطة الإجرامية وعمليات النصب والاحتيال المالي، وقد حلل بعض الاقتصاديين ارتفاع أسعار “بتكوين” إلى أكثر من ألفي يورو إلى استعمالها في تلك الجرائم.
وتساءل فضيلة الشيخ القره داغي بشأن ما يعانيه العالم اليوم من أزمات التضخم ونحوه في ظل النقود الورقية التي تصدرها البنوك المركزية وتضمن قيمتها، فكيف يكون مصير العالم في ظل عملات لا علاقة لها بالحكومات ولا بالشركات والبنوك الضامنة لها؟، ومن ثم فإنها ستهدد الاستقرار النقدي المتوافر اليوم، لأن عملية إصدار الكمبيالات النقدية الإلكترونية ليست بأيدي البنوك المركزية، وإنما يكون بأيدي الشركات الرأسمالية. ولذلك إنني أرى أن الحكومات القوية إذا رأت أن هذه العملات تنتشر إلى حد بعيد سوف تضبطها، وتخضعها لسيطرتها وهيمنتها، كما حدث مثل ذلك عند تبني الدول أوراق “بنك نوت: حيث كان الصيارفة هم الذين يصدرون عملات بضمان ما لديهم من الذهب والفضة، فتصدت لهم الحكومات، وجعلت إصدار النقود من صلاحياتهم.
وأوضح رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الحكم الشرعي للعملات الرقمية الإلكترونية، قائلا إن عملة الـ “بتكوين Bitcoin” ونحوها من العملات الإلكترونية المشفرة بوضعها الحالي لا تعدّ عملة في ضوء الاقتصاد الإسلامي، كما أنها ليست سلعة مالية موجودة قابلة للحيازة، ولو كانت عملة لا تراعى فيها ضوابط الشرع من وجود القبض الفوري للعملتين المتقابلتين.
مشيرا إلى أن ميزة الاقتصاد الإسلامي أنه يقوم على اقتصاد الأعيان والمنافع والحقوق الموجودة، وليس الموهومة، وأنه لا يقوم على مجرد الائتمان والحقوق المجردة. ولذلك فإن بيع وشراء عملة الـ “بتكوين Bitcoin” ومثيلاتها محرم شرعاً لما ذكرنا، كما أن تسويق عملة الـ “بتكوين Bitcoin” ونحوها من المعاملات محرم شرعاً، ولأنه تسويق لشيء لا يجوز بيعه شرعاً، كما أنه تترتب عليه مخاطر كبيرة، وأضرار كبير بالاقتصاد القومي.
ودعا فضيلة الشيخ القره داغي الحكومات الإسلامية إلى منع عملة الـ “بتكوين Bitcoin” وأشباهها ومنع التعامل بها ومعها وتسويقها – لما ذُكِر من المخاطر والأضرار بالاقتصاد – كما دعا فضيلته إلى ضبطها وإصدار قوانين لحماية المواطنين من الوقوع في خسائر لأي سبب كان. وحث فضيلة الشيخ أهل العلم والفتوى، أن لا يصدروا الفتوى إلاّ بعد تصور المسألة تصوراً شاملاً، ودراستها دراسة تحليلية لمآلاتها ونتائجها، وعدم الاكتفاء بالظواهر دون المقاصد والآثار.