افتتح «الصالون الأَدبي» في جمعية ومعهد «فيلوكاليَّا» أَنشطة مئوية منصور الرحباني (1925 – 2025) بندوة موسَّعة شارك فيها محاضرون أَصدقاءُ منصور وخبراء في المسرح الرحباني، بحضُور غدي وأُسامة الرحباني وجمهور كثيفٍ ضاقت به قاعة المحاضرات في دير الزيارة (عينطورة كسروان).
أَدار الندوة مديرُ «الصالون الأَدبي» الشاعر هنري زغيب، وافتتحَتها رئيسة «فيلوكاليَّا» الأُخت مارانا سعد بكلمة ترحيب جاء فيها: «نلتقي اليوم في مئوية منصور الرحباني لا لنستذكره فقط، بل لنحتفل بحضوره الدائم بيننا، بفِكرِه الذي لا يُقيَّد، وبروحه التي تحمل قضية، وبصوته الذي يُشبه الريح ولا يمكن إِيقافه. فهو في عالم الفن لم يكن مجرد اسم بل أَصبح مع شقيقه عاصي مدرسة لبنانية نفتخر بها وبأَعمالها الخالدة، لأَنها خاطبَت الطفلَ والعجوز، المتعلِّمَ والأُمي، والبيتَ والوطن، وتحدثَتْ بلغات كل الناس بالشعر واللحن والكلمة».
وقالت مارانا عن منصور: «بقيَتْ أَعمالُه منبراً للحقيقة، وميداناً لطرح الأَسئلة الكبيرة والوجودية، ورحلة لا تنتهي. من هنا فإنَّ عاصي ومنصور وفيروز أَكثرُ من مجرد فن وإِبداع. إِنهم رسالة؛ لأَنهم حملوا في أَعمالهم همومَ الناس، وأَوجاعَهم، وحكاياتِهم، وحوَّلوها إلى لوحات تُدرَّس لخير وجمال الروح والنفس، ولإِيقاظ الضمائر والعقول».
وختَمَت: «نحن إِذن في مئوية رجل كتبَ بالضوء، ولَحَّن بالصورة، وتحدَّى بالصوت كلَّ حدود. فلنفتتِح هذه الاحتفالية، ولنجعلها امتداداً لصوت منصور الذي لم يُسكتهُ الزمنُ يوماً ولن يُسكِتهُ في أَي يوم».
الكلمة الأُولى كانت مع الصحافي رفيق خوري، رفيق عاصي ومنصور منذ مطلع شبابه، وبقي على صداقته الوثيقة معهما حتى غيابهما. وروى كيف تعرَّفَ بهما في مطلع الخمسينات بعد صدور مقالٍ له عن فيروز قرأَه سعيد عقل وامتدحه وجمعه بالأَخوين رحباني، وأَخذت لقاءَاته بهم تتكرّر في المكتب (بدارو) أَو في بيتَيْهما. ومن يومها لم يفترقوا أَبداً… وروى كيف كتَبَ للأَخوين مسلسلاً يلحِّنانه عن أَشهر المغنين العرب، ضمَّن إحدى حلقاته قصيدة «أَرجعي يا أَلف ليلة» فسحبها عاصي من المسلسل وجعلها في لوحة الموشحات، وما زالت حتى اليوم من أَبرز الأَغنيات بصوت فيروز التي قال عنها رفيق خوري إِنها تغنِّي أَصعب الأَلحان والقصائد بأَداءٍ فريد يعادل صوتها الفريد.
من جانبه، تحدَّث الأَديب سهيل مطر عن منصور شاعراً، فنشَر بعض قصائده على الشاشة وشرحها وعلَّق عليها مبْرزاً ما فيها من جمالات شعرية. وروى كيف أَوعز إِلى «المركز التربوي للبحوث والإِنماء» بنشْر قصيدة «لملمتُ ذكرى لقاء الأَمس» في كتاب «المركز» للُّغة العربية، بتوقيع منصور، فثار عليه منصور ورفع دعوى على وزارة التربية فارضاً عليها إِتلاف الطبعة وإِعادة نشْر القصيدة بتوقيع الأَخوين رحباني، فأَصدرت الوزارة طبعة جديدة تحمل القصيدة بتوقيع الأخوين رحباني.
الكلمة الثالثة كانت للأَب يوحنا جحا الذي ركَّز على أَنَّ منصور موجود في الأَخوين وعاصي موجود في الأَخوين، وهذه عطية لم يعرفها الوسط الفني في لبنان ولا في سواه. وأَشار إِلى أَن منصور كان في ذاته «مجموعة إِبداعية»، فهو المؤَلف والشاعر والملحِّن وقائد الأُوركسترا والمخرج في آن، وهو ما لم يعرفه الوسط الفني في العالم أَن ينجح مؤَلف موسيقي أَو شاعر أَو مخرج في أَن يكون مجموعة مواهب في رجل واحد.
أما الكلمة الأَخيرة فكانت للفنان غسان صليبا الذي روى كيف تعرَّف بالأَخوين في مطلع شبابه، وسمعا صوته فأَسندا إِليه دور «رئيس القوافل» في مسرحيتهما «بترا». وبعدها أَسند إِليه منصور في مسرحياته أَدواراً رئيسية في «الوصية»، و«المتنبي»، و«قام في اليوم الثالث»، و«سقراط»، و«جبران والنبي»، و«زنوبيا»، و«ملوك الطوائف»، و«عودة الفينيق» وسواها. وأَعلن أَن عمله مع منصور أَعطاه كنزاً من المعرفة والثقافة، وزاد على شخصيته الفنية بُعداً ما كان ليناله لولا عبقرية منصور.
تخلَّل الندوة فاصلٌ غنائي لأَعضاء من «فرقة عشتار – فيلوكاليَّا» بقيادة الأُخت مارانا سعد، أَدُّوا مجموعة من أُغنيات الأَخوين رحباني وأُخرى لمنصور، قابلها الجمهور بتصفيق متكرّر. وتابع الحضور فيلماً وثائقيّاً ضمَّ مقتطفات من أَحاديث لمنصور عن المسرح الرحباني وقراءَته باقة من قصائده.
وكان الشاعر هنري زغيب، بين مُحاضِر وآخر، يقرأ قصائد لمنصور من كتبه الخمسة: «بحَّار الشتي»، و«أُسافر وحدي ملِكاً»، و«أَنا الغريب الآخَر»، و«القُصُور المائية»، و«الأُولى القصائد». وفي ختام الندوة جال الحضور على ركْنٍ خاص لدى «فيلوكاليَّا» عاينوا فيه أَغراضاً خاصة لمنصور مع نُسَخٍ من مخطوطاته الشّعرية والمسرحية.
“);
googletag.cmd.push(function() { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); });
}