مراسلو الجزيرة نت
طوباس- بعد أكثر من عام من المطاردة، استشهد المقاوم الفلسطيني والمطلوب لدى الاحتلال هاني بني عودة، أحد أبرز قادة سرايا القدس، الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامي، في بلدة طمون قرب مدينة طوباس شمال الضفة الغربية، بعد أن استهدفته القوات الإسرائيلية بقصف صاروخي مباشر أدى لتفتيت جسده وتحويله لأشلاء حالت دون التعرف عليه لساعات.
وفي عملية عسكرية واسعة شرعت بها قوات الاحتلال الإسرائيلي منتصف الليلة الماضية في بلدة طمون بعد اقتحامها بعدد كبير من الآليات العسكرية والجرافات، استهدفت مسيَّرة إسرائيلية المطارد بني عودة بصواريخها قرب منزل قيد الإنشاء جنوبي البلدة.
وبعد القصف، اقتحمت قوات الاحتلال المكان وحاصرته من جميع الجهات وشرعت بأعمال تفتيش في المنزل المستهدف الذي دمرت أجزاء كبيرة منه ومنزلا مهجورا بحثا عن مقاومين آخرين. واقتلعت، حسب رئيس بلدية طمون ناجح بني عودة، 10 أشجار زيتون معمرة، كما قتلت مواطنا آخر، واحتجزت جثمانه بعد أن وضعته في فوهة الجرافة العسكرية.
وعلى خبر استشهاد المقاوم هاني بني عودة، المعروف ببلدته بـ”أبو عاصف” استيقظت طمون، التي يقطنها 15 ألف نسمة، وضجت صخبا بعد فقدها أحد أبرز قياداتها المقاومة، الذي يطارده الاحتلال منذ أكثر من عام، واقتحم لأجل اعتقاله منزله وبلدته مرات عدة، وقتل خلالها عددا من الشبان.
وإلى حيث استشهد أبو عاصف، انطلق عشرات المواطنين بعد انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي، وانتشلوا جثمانه الممزق، ومن ثم نقلوه إلى المشفى الحكومي التركي في مدينة طوباس القريبة، ومن هناك جرى تجميع أشلائه، ومن ثم نقله إلى مسقط رأسه وتشييعه في جنازة مهيبة، وسط إطلاق نار في الهواء والوعيد بالانتقام من الاحتلال والثأر للشهيد.
مقاوم ومطارد
ولد هاني علي حمد بني عودة (51 عاما)، لعائلة بسيطة بين عدد من الأشقاء ولأبوين يعملان في الزراعة، وتلقى تعليمه الأساسي والإعدادي في مدارس بلدة الجفتلك المجاورة بالأغوار الفلسطينية الوسطى، لكنه لم يكمل مسيرته التعليمية بفعل التحاقه بالعمل المقاوم والوطني منذ بداية عهده.
في الانتفاضة الأولى عام 1987، نشط أبو عاصف، ولمع نجمه مقاوما شرسا ضد الاحتلال الإسرائيلي، واعتقله الاحتلال لأول مرة عام 1991 لنحو 5 سنوات، وما لبث أن أفرج عنه حتى عاد ليخوض النضال مجددا في الانتفاضة الثانية عام 2000، ليعتقل ثانية 4 سنوات أيضا.
ووازن أبو عاصف بين عمله في مهنة السباكة التي تعلمها في صغره وعمله المقاوم، فلم يتخل عنه برهة، مما جعله يقترب أكثر من المجتمع المحلي في بلدته والمنطقة المحيطة.
ومع بدء الحرب على غزة قبل 13 شهرا أصبح مطاردا للاحتلال، الذي يتهمه بالوقوف خلف تشكل الحالة الوطنية المقاومة في بلدة طمون واحتضانها أيضا.
وخلال فترة مطاردته اقتحم الاحتلال منزله مرات كثيرة، واعتقل خلالها زوجته وأشقاءه واحتجزهم لساعات بهدف الضغط عليه. وبعد الفشل في اعتقاله أكثر من مرة ورفضه تسليم نفسه، هدَّده الاحتلال -وخاصة قبل 6 أشهر من الآن- باغتياله، ووضعه على قائمة التصفية.
وتمتع أبو عاصف بحس أمني كبير، فلم يلتق بعائلته -كما يقول خاله- طوال فترة ملاحقته، خاصة خلال الأشهر الستة الماضية بعد أن هدد الاحتلال بتصفيته، وبات معروفا ذلك لدى جميع أهله وأهالي بلدته.
حاضن المقاومة
تزعم أبو عاصف الحالة النضالية في بلدته طمون بمعنى الكلمة وشكَّل حاضنة لها، وهو ما ظهر في تصدي المقاومين هناك لاقتحامات الاحتلال والاثخان به، وما رافق عملية التشييع لجثمانه، حيث خرجت طمون عن بكرة أبيها.
ويعلق على ذلك محمود نمر -خال الشهيد أبو عاصف- قائلا “ليس من فراغ لوحق كل هذه الفترة، وهدد الاحتلال بتصفيته”، ويضيف في حديثه للجزيرة نت “البلد كلها حزنت عليه، وشعرت بالفقد، فهو صاحب موقف ثابت لا يتغير وفريد من نوعه، وهو أيضا يعرف بأنه أبو الأيتام، وله اهتمام كبير بأبناء الشهداء والأسرى”.
ويستبعد نمر وآخرون من بلدة طمّون أن تخفت حالة المقاومة فيها، أو تتراجع بعد استشهاده، وهو ما عكسته أيضا جنازة الشهيد وعملية تشييعه، فقد ساهم في تشكيل حاضنة جيدة لهذه المقاومة “تدرك أن الانتقام والثأر أمر طبيعي”، “فالفلسطيني، بات مصيره معروفا، إما شهيد أو جريح أو أسير، وهذه أرضه والدفاع عنها واجب وطني” يقول نمر.
ومع ظهور كتائب المقاومة خلال الأعوام الثلاثة الماضية بمختلف مناطق شمال الضفة الغربية، شكلت بلدة طمون -وتحديدا في العامين الأخيرين- أحد أبرز مواقع النضال بينها، رفقة مدينة طوباس ومخيم الفارعة القريبة منها. وارتقى من البلدة وخلال الحرب على غزة فقط 13 شهيدا.
وعُرف الشهيد أبو عاصف، كما يقول رئيس بلدية طمون ناجح بني عودة، بمواقفه الجريئة والحازمة وسدادة رأيه، ويضيف للجزيرة نت أن الشهيد ذاع صيته كمؤثر في المجتمع والعائلة أيضا.
وعكست حالة الغضب العارمة التي رافقت عملية استشهاد أبو عاصف وفقد البلدة لشخص مثله “الحالة الوطنية” التي كان يتزعمها فيها، وهو الذي “أزعج بنضاله الاحتلال وأرَّقه فعلا بعبواته المتفجرة والاشتباكات المتواصلة حتى قبل محاصرته واستشهاده بوقت قصير”، حسبما يقول الأهالي في طمون.