أطلق الزعيم النازي أدولف هتلر على مقر قيادة الحرب الذي اتخذه في بولندا اسم “عرين الذئب”. وفي هذا المكان، عاش الفوهرر خلال الفترة من 1940 إلى 1944، ليقود القوات الألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية، ويدير المحرقة.
وكانت الحرب العالمية الثانية إحدى أكبر الصراعات العسكرية دموية في التاريخ، إذ أدت إلى مقتل ما يتراوح بين 70 و85 مليون شخص.
يقول نجل حارس نازي، إن أباه وقف عند مدخل مقر قيادة هتلر حارسا منذ نحو 80 عاما، مشيرا إلى أنه حمل رتبة رقيب في وحدة حرس ألمانيا الكبرى، وشملت وظيفته تقديم التحية بنشاط للمشاهير من قادة النازية لدى دخولهم وخروجهم من المقر، مع التحكم الصارم في الزوار الأقل شهرة.
“لم أكن أعلم الكثير عن السنوات التي أمضاها أبي أثناء فترة الحرب، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي وقعت أحداثه في عرين الذئب. ثم زاد فضولي لمعرفة ما دار في ذهن أبي وقتذاك، وكيف نجا مما حدث. ومثله في ذلك مثل الكثيرين من أبناء جيله، كان نادرا ما يتحدث عن دكتاتورية النظام النازي” -يقول ابن الحارس النازي لوكالة الأنباء الألمانية-.
غير أن ذلك تغير بعد مرور سنوات عندما كان يشاهد فيلما وثائقيا في التلفاز عن المحاولة الفاشلة لاغتيال هتلر التي قام بها أحد قادة الجيش الألماني يدعى ستاوفنبرغ، “وهي المحاولة التي كان يتحدث عنها أبي بشكل عارض، وقال لي: عشت هذا الحدث في ذلك الحين، ولا تستطيع أن تتخيل ما الذي نتعرض له نحن الحراس”.
كلاوس شينك فون ستاوفنبرغ كان شخصية بارزة في محاولة اغتيال هتلر في تموز/يوليو 1944، إذ وضع شحنة متفجرات كان من المفترض أن تقتل الفوهرر، لكنها باءت بالفشل، وكان مصير كل من شاركوا فيها السجن والتعذيب ثم الإعدام.
يقول ابن حارس “عرين الذئب” إن أباه “لم ينطق على الإطلاق إلا ببعض عبارات محدودة، عن واحدة من أكثر الوقائع أهمية في تاريخ ألمانيا الحديث”.
وكان مقر قيادة هتلر في بولندا يعرف باسم “عرين الذئب”، وهو اسم يحمل مضامين كثيرة عن هذا المركز المعني، بتقييم الأوضاع العسكرية للقوات المسلحة الألمانية.
ولعدة عقود ظل مجمع المخبأ الضخم والواسع، المخفي وسط الغابة الكثيفة الأشجار ببلدة كيترسين، الكائنة في المنطقة الشمالية الشرقية من بولندا مهجورا ومنسيا، ومع ذلك أصبح منذ ذلك الحين موقعا للذكرى.
ويرمز موقع مثل “عرين الذئب” لكل من الضحايا والجناة، إذ تقول المعلمة أجنيسكا زدونياك، “تم التركيز هنا على إعادة تقييم مناسبة لهذه الفترة من الزمن”.
وقامت الإدارة البولندية لمقر قيادة هتلر، بدقة بإعادة بناء الغرفة التي تحتوي على خرائط الثكنات، حيث حاول ستاوفنبرغ تنفيذ محاولة اغتيال هتلر.
وكان مقر “عرين الذئب” لفترة طويلة بمثابة العاصمة الثانية، للرايخ الثالث إلى جانب برلين.
وبعد أن غزت القوات الألمانية الاتحاد السوفياتي السابق في حزيران/يونيو 1941، أنشأ هتلر مركز قيادته بشكل سريع في إقليم ماسوريا، الكائن فيما كان يعرف وقتذاك باسم بروسيا الشرقية.
ويحتوي مركز القيادة هذا على 50 مخبأ و70 ثكنة لإقامة الحراس وحاشية هتلر، إلى جانب مهبطين للطائرات ومحطة للسكك الحديدية، ومواقع مختلفة للمدفعية المضادة للطائرات.
وأمضى هتلر أكثر من 900 يوم في هذا الموقع، أدار خلالها حملة الإبادة ضد الاتحاد السوفياتي، والقمع الوحشي لانتفاضة وارسو.
وعندما تقدمت القوات السوفياتية تجاه بروسيا الشرقية عام 1945، أعطى أمرا بتسوية المجمع بالأرض.
كان سمك الجدران والأسقف الخرسانية لمخبأ هتلر، يصل إلى 9 أمتار لحماية الشخصيات البارزة في الحركة النازية، مثل هيرمان غورينغ، وكذلك ضيوف الدولة الأجانب مثل الزعيم الإيطالي الفاشي بينيتو موسوليني، والزعيم الروماني أيون أنتونيسكو.
ويجذب موقع “عرين الذئب” 340 ألف زائر كل عام، ويأتي كثيرون منهم من ألمانيا، والذي يدفع معظم الزوار إلى القدوم إلى المكان، الاهتمام الحقيقي والفضول المتأصل لمعرفة وقائع التاريخ.
ومع ذلك، يثير مد اليمين المتطرف مؤخرا في مختلف أنحاء أوروبا، القلق من أن بعض الزوار قد يكونون من الذين انتسبوا حديثا للنازية أو من النازيين السابقين، برغم عدم وضوح الأرقام الدقيقة للمنتمين لهذا الاتجاه.