نشرت غارديان البريطانية مقالا يفيد بأن أوروبا لن تتوحد في سياستها تجاه إسرائيل، ومع ذلك يمكنها التصرف من أجل تغيير مسار الحرب على قطاع غزة، خاصة أن أوروبا هي أكبر شريك تجاري لإسرائيل.
وقالت كاتبة المقال ناتالي توتشي إن العلاقة التجارية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل تمنحه نفوذا يمكّنه من اتخاذ إجراءات عملية، وترى أن الحرب الإسرائيلية لا تتعلق بأمن إسرائيل أو تحرير “الرهائن”، بل بإعادة الاحتلال والطرد الجماعي للفلسطينيين.
وأشارت إلى أن الضمير الأوروبي بدأ يستيقظ على جرائم الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وحتى أكثر الداعمين لإسرائيل يجدون حاليا صعوبة متزايدة في تبرير هذه الجرائم.
أسباب اليقظة المتأخرة
وتساءلت عن أسباب هذه اليقظة المتأخرة والبطيئة، ورأت أن ذلك ربما يكون بسبب العدد الكبير من القتلى الفلسطينيين في غزة، أو ربما لتعرض آلاف الأطفال لخطر الموت من الجوع وسوء التغذية، أو احتراق المدنيين أحياء، أو خطط إسرائيل لإعادة احتلال قطاع غزة واستعماره مجددا وطرد الفلسطينيين، أو ربما بسبب إطلاق الجيش الإسرائيلي النار على دبلوماسيين، من بينهم أوروبيون، في الضفة الغربية، أو الهتافات العنصرية في مسيرة برعاية الدولة في القدس مثل “الموت للعرب” و”لتُحرق قراهم”.
ورجحت أن تكون الإجابة مزيجا من كل ما سبق، إضافة إلى إدراك أن الضغط المبدئي على إسرائيل لن يأتي من واشنطن بالتأكيد.
ومهما كانت الدوافع، تقول الكاتبة، فإن أوروبا أصبحت تقترب من نقطة تحول، وتطوي صفحة سوداء من تواطؤها في حرب إسرائيل المستمرة منذ نحو 20 شهرا على غزة.
مواقف مختلفة
ثم استعرضت توتشي المواقف المختلفة للدول الأوروبية تجاه إسرائيل، مثل اعتراف بعضها بدولة فلسطين العام الماضي، ودعمها لفلسطين في المحافل الدولية والجمعية العامة للأمم المتحدة.
ومثل مواصلة أقلية من الدول الأوروبية تقديم دعم غير مشروط لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وعدم تأييدها لوقف إطلاق النار والتهدئة إلا في ربيع 2024، حتى بعد أن غيّرت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن -المؤيدة بشراسة لإسرائيل- موقفها.
وأشارت إلى أن أغلبية من الدول الأوروبية ظلت صامتة طوال الحرب على غزة، لكنها بدأت الآن تتحرك، إذ أوقفت المملكة المتحدة مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة الثنائية مع إسرائيل. وأصبحت فرنسا أكثر صخبا ونشاطا، ليس فقط في مساعيها الدبلوماسية لحل الدولتين، بل أيضا من خلال تلميحها إلى إمكانية فرض عقوبات محددة على إسرائيل.
ووصفت الكاتبة هذه الخطوات بأنها صغيرة ومؤقتة، لكنها تشير إلى تغير في الوتيرة والموقف.
الخطوة الأهم
وذكرت أن الخطوة الأهم حتى الآن من الاتحاد الأوروبي تتمثل في تحركه لتعليق الامتيازات التجارية التفضيلية لإسرائيل بموجب اتفاقية الشراكة بين الطرفين.
وقالت من المهم التوضيح أن تعليق هذه الامتيازات لا يُعد عقوبة، إذ إن العقوبات (مثل الحظر أو القيود التجارية) تتطلب إجماعا بين الدول الأعضاء، ومن الصعب تصور أن جميع الدول الـ27 ستتفق على ذلك. كما أن تعليق الاتفاقية بالكامل أيضا يتطلب إجماعا، وهو أمر مستبعد.
لكن تعليق الامتيازات التجارية التفضيلية، تقول توتشي، أي الامتناع عن منح إسرائيل ميزات بموجب الاتفاقية، يقع ضمن نطاق سياسة التجارة الأوروبية، ويحتاج فقط إلى “أغلبية مؤهِلة”، وهي 15 دولة من جملة 27 تمثل 65% من سكان الاتحاد.
وأشارت إلى أن التبادل التجاري بين الطرفين يمكن أن يستمر، ولكن دون التسهيلات التي يتضمنها منذ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ عام 2000.
المستحيل تحوَّل إلى محتمل
وعلقت بأن ما كان يُعد مستحيلا في الماضي، أصبح اليوم احتمالا واقعيا، إذ يقوم الاتحاد الأوروبي حاليا بمراجعة مدى امتثال إسرائيل لالتزاماتها بموجب الاتفاقية.
وأشارت إلى أنه من اللافت أن الطلب الرسمي بإجراء المراجعة لم يأتِ من دولة مؤيدة للفلسطينيين، مثل إسبانيا أو أيرلندا، ولا حتى من فرنسا، بل من هولندا، المعروفة تاريخيا بدعمها لإسرائيل، والتي تقودها حكومة يمينية.
وقالت إن تعليق المزايا التجارية التفضيلية لإسرائيل ربما لن ينهي الحرب في غزة فورا، لكنه سيكون أول إجراء ملموس من المجتمع الدولي لفرض ثمن على إسرائيل مقابل جرائمها. وفي نهاية المطاف، فإن فرض مثل هذه الأثمان هو السبيل الوحيد لإحداث تغيير، حسب تعبيرها.