11/5/2024–|آخر تحديث: 11/5/202410:10 م (بتوقيت مكة المكرمة)
ازدهرت مسيرة المخرج البريطاني جاي ريتشي بفضل البطولات الجماعية، بداية من أوائل أفلامه “سناتش” (Snatch) عام 2000 وحتى أحدثها “وزارة الحرب الغاشمة” (The Ministry of Ungentlemanly Warfare) الجاري عرضه الآن حول العالم.
يشارك “ريتشي” في “وزارة الحرب الغاشمة” كمخرج ومؤلف ومنتج، ليؤكد أن المشروع شخصي بالكامل، وقد ترك لمسته على كامل العملية الإنتاجية، ووضع في دور البطولة هنري كافيل الذي عمل معه سابقا في فيلم “الرجل من يو.إن.سي.إل.إي” (The Man from U.N.C.L.E)، بالإضافة إلى آلان ريتشسون وهيرو فاينس تيفن وإيزا جونزاليز وكاري إلويز وفريدي فوكس.
العملية السرية الألف في الحرب العالمية
يقدم جاي ريتشي في “وزارة الحرب الغاشمة” قصة بسيطة للغاية، شاهدها بالتأكيد الكثير من المتفرجين سابقا في عدد كبير من الأفلام، فالزمن الفيلمي يرجع إلى الحرب العالمية الثانية، والأبطال مجموعة من رجال الحرب العتاة الأذكياء والموهوبين الشجعان بالتأكيد، ويقومون بمهمة سرية عالية الخطورة لهزيمة النازي.
بالعودة إلى “وزارة الحرب الغاشمة” نجد أن الفيلم يجمع بين الكوميديا والأكشن -مثل أغلب أفلام جاي ريتشي- وقد بدأ بمشهد يوضح أهمية العملية المزمعة لمسار الحرب، والتي تقتضي إغراق سفن ألمانية عملاقة ولكن بشكل غير رسمي حتى لا تؤدي لتداعيات دبلوماسية تزيد الوضع تعقيدا.
لذلك يوكل رئيس الوزراء وينستون تشرشل الأمر لرئيس المخابرات حتى يبني فريقا غير رسمي من المقاتلين يقومون بالمهمة على مسؤوليتهم الخاصة، يترأسهم جاس مارش فيليبس/ هنري كافيل، الذي يختار باقي الفرقة من مقاتلين يقفون على الحافة بين العقل والجنون، وتجمع بينهم كراهيتهم للنازية والنازيين.
يبدأ من هذه اللحظة حمام الدم، وتنتقل الأحداث من مشهد دموي عنيف إلى آخر، يستخدم فيه الأبطال كل الأسلحة الممكنة وصولا إلى القوس والسهام، ملقين الدعابات خلال ذلك، بنفس حيوية قتلهم للنازيين، وحتى عندما تعترض مهمتهم الكثير من العقبات غير المتوقعة يتوصلون إلى حلول غير نمطية لتجاوزها.
يستند فيلم “وزارة الحرب الغاشمة” إلى قصة حقيقية، ولكن مع إحداث العديد من التغيرات المقبولة من الناحية الدرامية، فقد كوّن تشرشل بالفعل فرقة غير رسمية قام أفرادها بالعديد من المهمات الناجحة، وتعدى عدد أفرادها الـ50.
غير أن الفيلم أبرز فقط عددا محدودا منهم، على الجانب الآخر ليست كل المعارك الواردة في الفيلم حدثت، وشخصية مارغوري/إيزا جونزاليز حقيقية بالفعل لكن لم تشترك في المهمة التي يدور حولها الفيلم.
هذه الحبكة أصبحت من فرط تكرارها أقرب إلى أفلام “البارودي” (Parody) أي المحاكاة الساخرة، وما يميز كل فيلم منها عن الآخر التفاصيل التي يضفيها صناع الفيلم على القصة بالإضافة إلى النوع الفرعي التي يتناولون عبره الحبكة سواء كان كوميديا أو ميلودراميا أو واقعيا.
فلا يمكن إنكار نقاط التشابه التي تجمع بين الفيلم وآخر ينتمي للبارودي هو “أوغاد مجهولون” (Inglourious Basterds) إخراج كوينتين تارانتينو وبطولة عدد كبير من النجوم على رأسهم براد بيت وكريستوفر فالتز، سواء من حيث المهمة المعقدة أو الدموية الشديدة أو الجانب الكوميدي القوي، غير أنها مقارنة في غير صالح “وزارة الحرب الغاشمة” على كل الأصعدة.
أكشن أنقذ الفيلم
تتميز أفلام جاي ريتشي بالحيوية والديناميكية الشديدة والتي ترجع لاهتمام المخرج بحركة الممثلين داخل الكادر وزوايا التصوير، وهو أسلوبه المتكرر في أفلامه المختلفة حتى التي جمع فيها بين التحريك والتمثيل الحي مثل “علاء الدين” (Aladdin).
وعلى سبيل المثال كثيرا ما يلتقط نفس المشهد من أكثر من زاوية ويعرض كل هذه الزوايا بشكل متتال، لتبدو مشاهد الأكشن كما لو أنها مرسومة في إحدى القصص المصورة وليست بالتتابع المعتاد في الأفلام السينمائية.
يتذكر المشاهدون هذا الأسلوب على الأخص في فيلم “شيرلوك هولمز” (Sherlock Holmes) حيث كانت مشاهد الأكشن تُعرض مرتين، مرة بالسرعة العادية، وأخرى بالسرعة البطيئة من زوايا أخرى لتوضيح الطريقة التي يتم بها تلقي وإسداء الضربات.
يتكرر هذا الأسلوب بشكل مختلف قليلا في “وزارة الحرب الغاشمة” الأمر الذي فرض على الفيلم إيقاعا سريعا وأنقذ الفيلم بشكل حقيقي من الملل نتيجة للقصة المتوقعة والمعروفة مسبقا، هذا بالإضافة إلى التنوع الذي أضفاه الفيلم على الشخصيات من حيث الصفات المميزة لكل منهم أو أدواته القتالية.
بينما على الجانب الآخر أثبت هنري كافيل أنه كلما ابتعد عن أدوار البطل الخارق مثل “سوبرمان” أو الساحر في “ذا ويتشر” (The Witcher) واختار شخصيات رجال عاديين -حتى وإن كانوا متميزين- يقدم أداء أفضل، كما ظهر من قبل في أفلام “إينولا هولمز”.
والآن مع “وزارة الحرب الغاشمة”، حيث قدم دور جاس ذي المهارات القيادية والذكاء الشديد والشجاعة بالإضافة إلى خفة الظل، ولم تتسبب شهرته في انزواء باقي ممثلي الفيلم تحت ظله، بل حظي الفيلم بالتوازن بين دوره وأدوارهم، وحتى الشخصيات الفرعية حصلت على مشاهد طويلة.
أفلح كل من تصوير مشاهد الأكشن والأداء التمثيلي في جعل الفيلم مقبولا ومسليا وإن كانت القصة الخاصة به مكررة ومعروفة النتائج منذ البداية، وفي النهاية سيظل فيلما للاستهلاك السريع، وعملا سيحظى بإيرادات تغطي ميزانيته بالكاد، ثم يُعرَض على المنصات الإلكترونية قبل أن ينساه الجميع حتى صناعه.