في خضم الكم الهائل من المعلومات والحقائق المرتبطة بالتغير المناخي، تتجلى حقيقة بسيطة وهي «حاجتنا إلى الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات»، والأمر ليس سهلاً بطبيعة الحال، فهو اليوم يطرح الأسئلة أكثر مما يطرح الإجابات والحلول، وهناك العشرات من التفسيرات حول العالم لما تعنيه المفاهيم الثلاثة فعلياً، ومن الواضح أنها مسألة قيد التطوير والمعالجة.
ولكنه بالمقابل يمثل بلا شك ركيزة مبتكرة لمواجهة المستقبل المتمثل في تحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، سواء في دولة الإمارات العربية المتحدة أو في جميع أنحاء العالم، وكان تحديد كيفية الاستفادة من الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات لدعم الإصلاح العالمي الأكبر من نوعه في التاريخ الحديث ركيزة خلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب 28) الذي استضافته دبي.
ونحن لا نبالغ لو اعتبرنا أن فوائد استراتيجيات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات لا متناهية في حال تم تنفيذها بالشكل المطلوب، كما أن تطبيق الإجراءات والمعايير وأساليب الامتثال الملائمة والقوية يضمن دمج الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات بسلاسة في كل قطاع وعبر كل من عمليات صنع القرار الاستثماري بالنسبة لرأس المال البيئي والاجتماعي والتجاري، هذا ويمكن أن يدعم بشكل كبير قدرة الشركات على تأمين الديون والأسهم ومصداقية السمعة.
وستكون الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات نقطة مرجعية رئيسية من الآن فصاعداً، فيما تسارع الشركات للعثور على تحالفات وشراكات جديدة مع الأعمال والعملاء، في خضم السباق نحو الحياد المناخي، وستحتاج جميع الشركات إلى إجابة قوية ومؤثرة عند سؤالها «كيف تطبقون استراتيجيتكم بمجال الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات؟».
ولذلك، كلما زاد حالياً تأييد تطبيق نهج متماسك ومنصف وشفاف للحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، أسرعنا الخطى نحو تنفيذ الاستراتيجية الخضراء لدولة الإمارات العربية المتحدة وتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، وهذا يدعم أيضاً اتفاق باريس وأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة وغيرها من الأهداف العالمية.
الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات تحتل مركز الصدارة
يشهد الزخم الإقليمي الذي تشهده الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات ارتفاعاً مطرداً، فقد تبين اعتماد نحو ثلثي المشاركين في استطلاع أجرته شركة «برايس ووترهاوس كوبرز» في الشرق الأوسط على استراتيجية رسمية للحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات خلال العام الماضي، ويمكن مقارنة هذا بما حدث قبل ثلاث سنوات عندما كانت الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات لا تزال فكرة هامشية وكان عدد قليل جداً من الشركات يطبقها عبر المنطقة، ولا توجد أي مؤشرات لتباطؤ الزخم، إذ يرغب 66% من المشاركين في الاستطلاع أن يقوم الرئيس التنفيذي ومجلس الإدارة في مؤسساتهم بتخصيص المزيد من الوقت للقضايا المتعلقة بالحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات.
كما يأمل 40% من المشاركين أن يحث مؤتمر الأطراف الثامن والعشرون الحكومات على تحسين دليل الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات وتوفير حوافز للنمو الأخضر، ما يدل على الثقة في دولة الإمارات العربية المتحدة وتعليق الآمال عليها لإثبات نفسها من هذه الناحية على الساحة العالمية هذا الشهر وتقود الدولة فعلياً التغيير الذي ترغب في رؤيته على صعيد الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، ما يزيد الوعي حول دور هذا الإطار في دعم الرحلة الأوسع نطاقاً لتحقيق الحياد المناخي.
وخير دليل على رغبة دولة الإمارات العربية المتحدة في تبوء مكانة ريادية هو تركيزها الواضح على القضايا البيئية، إذ استثمرت 54 مليار دولار أميركي في مصادر الطاقة المتجددة دعماً للحياد المناخي، وتعهدت بتقديم 4.5 مليار دولار لتمويل المشاريع المناخية في إفريقيا واستراتيجية الحد من الكربون، إلى جانب العديد من الإنجازات الأخرى، ولا شك أن هذه المبالغ الطائلة التي يتم الالتزام بها علناً لدعم مشاريع مهمة -بالإضافة إلى المبادرات الرئيسية لدعم الشؤون الاجتماعية والحوكمة- هي لبنات أساسية تمهد الطريق أمام الدولة لتبوء مكانة ريادية على صعيد الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، سواء على مستوى الشرق الأوسط أو العالم ككل.
في الاتحاد قوة
على غرار قيادتنا الحكيمة، يجب أن ننطلق من أنفسنا لتحقيق التغيير الذي نريده على صعيد الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، ويعني هذا في جانب منه أن المجتمع المالي يساعد في تعزيز الوعي حول أهمية الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في مستقبل الخدمات المصرفية المستدامة وضمان وجود ما يكفي من المنتجات المالية ذات الصلة لتلبية الطلب المتزايد من جانب العملاء، بما في ذلك المنتجات الخضراء المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية.
ويعد تحسين عملية إعداد التقارير والمقاييس المتعلقة بعوامل الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات لتبسيط عملية جمع البيانات محلياً وعبر المجتمع المالي، أمراً حيوياً أيضاً؛ حيث لا يمكن للبنوك أن تطلب من عملائها تحسين عملياتهم إذا لم تكن هذه البنوك نفسها تقوم بذلك، وتشمل إحدى الخطوات المطلوبة في هذا الاتجاه تعزيز تدريب الموظفين بسرعة لضمان دمج أقوى لعوامل الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في قرارات الاستثمار، سواء بالنسبة للخطوات الاستراتيجية اليومية أو الكلية.
ومن المؤكد أن هذا التحول بات فعلياً. فاليوم، يوظف 27% من الشركات المشمولة باستطلاع «بي دبليو سي» في الشرق الأوسط رئيساً تنفيذياً للاستدامة، حيث يتولى نحو نصف هؤلاء الأفراد مسؤولية تنفيذ شؤون الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، ويجب أخذ ذلك بعين الاعتبار مقابل حقيقة أن 55% من المشاركين قالوا إن الرئيس التنفيذي كان لديه سيطرة شاملة على شؤون الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات العام الماضي مقابل 20% هذا العام. وتوضح هذه الخطوة المهمة في إدارة الموارد خلال 12 شهراً فقط الأهمية المتزايدة لتطبيق الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات داخل الشركات في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
جميع الأشكال والأحجام
لا يمكن أن تقتصر الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات على العملاء الحكوميين والشركات الكبيرة؛ فالاتساع هو العامل الأبرز في هذا المجال. ويعد العملاء من الأفراد والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة ويجب دعمهم في عصر التمويل الأخضر متزايد التعقيد الذي نعيشه اليوم، وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة موطناً لنحو 557 ألف شركة صغيرة ومتوسطة العام الماضي، وفقاً للبيانات الحكومية، ما أسهم بنسبة 63.5% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للبلاد، وبحلول عام 2030، من المتوقع أن تستقطب الدولة مليون شركة صغيرة ومتوسطة، لذا يجب عليها ترسيخ مكانتها في مجال الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات.
وفيما نعيش اليوم في إحدى المراحل الأكثر ديناميكية في تاريخ البشرية؛ فإن المؤشر العالمي يتجه سريعاً نحو مستقبل أنظف أمام أعيننا، وقد تسارع هذا المؤشر في مؤتمر الأطراف (كوب 28). ولا شك أن الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات تكمنان في جوهر هذه الرحلة الفريدة، وكلما أسرعت الشركات في الالتزام بجعل الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات جزءاً من وضعها الراهن، نجحت بشكل أسرع في تحقيق الحياد المناخي اقتصادياً وبيئياً.
*فيجاي بينز أول رئيس للحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في مجموعة بنك الإمارات دبي الوطني. يكرس بينز جهوده لقيادة الدور الوطني الرائد للمجموعة في مجال التمويل المستدام دعماً لمبادرة دولة الإمارات لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050 من خلال تعزيز الممارسات المستدامة للمجموعة.
**الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر «CNN الاقتصادية»